الأحد، 16 فبراير 2014

ABDOUHAKKI

ندوة علمية دولية حول الأمن التعليمي بين الرهانات والإكراهات بسطات : سعيد العيدي


نظمت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الأول بسطات بتعاون مع مختبر الأبحاث حول السياسات العمومية ومجلة الدراسات الأمنية، ندوة علمية دولية حول موضوع الأمن التعليمي بين الرهانات والإكراهات وذلك يوم الخميس 13 فبراير 2014 بمدرج الندوات بكلية الحقوق سطات. وبعد الكلمات الافتتاحية للأستاذ أحمد نجم الدين رئيس جامعة الحسن الأول والأستاذ رشيد السعيد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والأستاذ محمد غزالي مدير مختبر الأبحاث حول السياسات العمومية.
 بدأت الجلسة الأولى للندوة التي ترأس أشغالها الأستاذ مصطفى القاسمي بمداخلة للأستاذ عبد المالك احزرير حول موضوع" l’université a l’épreuve des violences anti institutionnelles" بين من خلالها أن ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية لاتعد ظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة قدم الزمن وظهرت بشكل كبير في فرنسا وهي إرث ناتجة عن ما يحدث داخل الأحزاب السياسية والنقابية، وبين أن العنف يعد حضري وليس قروي، وانطلق من خلال سوسيولوجيا المجال وتحدث عن دور الدولة التي اكتفت بالدور التنظيمي وغيبت الدور التنشيطي وبين أن المجتمع يعيش اليوم أزمة تربية وركز كون أن العنف يعبر عن الهيمنة سواء في المؤسسات التعليمية أو الجامعية وهو ظاهرة طبيعية وما وصل إليه اليوم في المغرب شيء خطير ولايجب البحث عن الحلول الجاهزة بقدر ما وجب اتخاذ سياسة حكيمة للبحث عن حلول ناجحة للتخلص من الظاهرة.
وفي مداخلة الأستاذ الحسين بوعياد حول " المسألة الأمنية والمقاربة التشاركية " والتي ركز خلالها على أهمية المقاربة التشاركية في عصرنا الحالي والتي تحدد لنا الفعل التشاركي من حيث أنه عملية تواصلية أفقية تضعف احتمالات الوقوع في الخطر وهي أسلوب في التدبير لصناع القرار من أجل الوصول إلى القرارات المتخذة مع تطوير القدرات الفكرية للطلبة وتوفير المناخ المناسب وتنمية الإحساس بالمسؤولية والمواطنة والاعتماد على المقاربات التشاركية والتواصلية بين كل المتدخلين في العملية التربوية وتعبئتهم وانخراطهم للمساهمة في تقدم المؤسسات التربوية والجامعات  عبر تعبئة الجهات الأمنية للاهتمام بالفاعلين داخل الحرم الجامعي والاهتمام بالطالبين الجدد حتى نسمح بوجود فضاء ينعم بالأمن والعطاء ووجود عائد تنموي للاستثمار داخل الجامعة باعتماد على مشاريع تقوم على الاستثمار في الأدمغة ومن أجل تطوير الفضاء الجامعي لابد من استخدام المقاربة التشاركية مع الطلبة والإداريين والأمنيين وتوفير المناخ الأساسي للتعريف المعرفي، والمساهمة مع جميع الفاعلين في جميع المحطات من أجل تطهير الجامعة من أي مرض يحوم بها.

أما مداخلة الأستاذ عبد الرحمان نباتة حول موضوع " الصحة النفسية للطالب الجامعي والتنمية: آلية الحوار ، حيث ركز أن معالجة ظاهرة العنف لها ارتباط بالصحة النفسية واعتبر أن إشكالية الصحة النفسية هي معضلة كبرى لأن الاختلاف بين الأحاسيس والرغبات والفكر من الناحية النفسية يؤدي إلى اضطراب في الفكر لأن الصحة النفسية لاتعني الخلو من الأمراض الجسدية بل تعني الشعور بالاطمئنان والرغبة في التحاور مع الغير وتقدير الذات من أهم الأشياء التي ركز عليها علماء النفس ولهذا وجب على الدولة أن تضع في برامجها السلامة الصحية تم ركز على الصحة النفسية للطالب في علاقتها بالعنف الجامعي كما وجب الاهتمام بالصحة النفسية قبل التخرج والتشغيل وطالب من استبعاد الجامعة من التأثير السياسي لأن النفس الإنسانية يقول الأستاذ تعمها الرغبات والمشاعر والفكر وهذا يؤدي بالتالي إلى ضرر في الصحة النفسية وعدم الرضا مع الذات والشعور بعدم السعادة ودعا إلى وضع إجراءات وسياسات حكيمة لمحاربة العنف الناتج عن عدم المبالاة بالصحة النفسية.
وفي مداخلة للأستاذة جميلة العماري حول موضوع: " العنف داخل الجامعات " بينت في مستهلها أن العنف المجتمعي يعد ظاهرة سلوكية بحتة يلعب فيها العامل النفسي دورا كبيرا، وهي  ظاهرة شبابية بامتياز تتطور تبعا لتحولات اقتصادية واجتماعية، إلا أنه في  الآونة الأخيرة كثر الحديث عن العنف المجتمعي عامّة والعنف الذي تشهده الجامعات خاصّة، والذي أصبح ظاهرة متفشية في جامعاتنا، وقد حاول كثير من المختصين دراسة أسباب هذا العنف ووسائل علاجه، إلاّ أنّ هذا الأخير أصبح ينذر بالخطر نظرا لتعدد أشكاله وصوره وأنواعه ودوافعه. ولعل استفحال العنف في الحرم الجامعي يعد سلوكا مشينا يعرقل الأمن الداخلي للمؤسسة ويعطينا انطباعا سلبيا وعدوانيا للطلبة. ذلك أن بعض الجامعات المغربية تعيش اليوم حالة احتضار علمي وسط انتشار تصرفات لا أخلاقية، و إذا لم تتضافر جهود كل الفاعلين الجامعيين في إطار سياسة إصلاحية تشاركية من شأنها أن تقوم هذا الاعوجاج  الذي حاد عن جادة الطريق، وإرساء دعائم الأمن التعليمي في الجامعة وان لم يتم العمل على معالجة هذه الظاهرة من منابعها فإنها ستهدد السلم والأمن، وستمزّق النسيج الاجتماعي برمته هنا لابد من القول أن أهم رسالات الجامعة إلى جانب التعليم والبحث العلمي كما رسمها القانون رقم 01-00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، وفي إطار خدمة المجتمع، المساهمة في تعميق الهوية الإسلامية والوطنية وتنمية ونشر العلم والمعرفة والثقافة و المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد.
فالجامعات اليوم أصبحت تعيش مشاكل مجتمعها وتلعب دوراً بالغاً في حياة الأمم والشعوب على اختلاف مراحل تطورها الاقتصادي والاجتماعي. استوجب على الجامعات ألا تقتصر رسالتها على الأهداف التقليدية في التعليم والبحث عن المعرفة من أجل العلم بل أصبحت أدوات المجتمع الأساسية التي تعنى بتطوير العلم والمعرفة من أجل النهوض بتلك المجتمعات وحل مشاكلها وتحقيق حياة أفضل لأبنائها.فأصبح لها الدور الأساسي في تحقيق التنمية بكل أبعادها تم أنه من بين أهم القضايا الإستراتيجية التي تؤثر بشكل واضح على تنمية المجتمعات هي قضايا الأمن الوطني التي ارتبطت بالمجتمعات منذ نشأة الإنسان، لكونه نابع من حاجته النفسية في الشعور بالطمأنينة والسكينة والسلامة والتي تعتبر أساس مقومات النظام العام ومن ثم فإنه يعنى بتوفير الضمانات الكافية لحماية العقل والثقافة والهوية والقيم والخصوصيات المميزة للمجتمع بأسره.
ولعل انعقاد هذه الندوة  تقول الأستاذة يعكس إدراك القائمين على تنفيذها للمسؤولية المشتركة للمؤسسات المجتمعية في أمن مجتمعها، والجامعة أحد أبرز مؤسسات المجتمع, حيث يقع على عاتقها مهمة أساسية وفعالة في إعداد وتطوير المناهج والدراسات الخاصة بالنواحي الأمنية سواء في شقها المادي أو المعنوي،  كذلك في إعداد الدراسات والمشاريع البحثية التي تعنى بهذا المجال، في هذا الإطار يناط بالجامعة مسؤولية إعداد الشباب للاندماج في الحياة العملية خاصة بواسطة تنمية المهارات، فلها الدور الفعال في المحافظة على الأمن الفكري للأجيال الذين هم ركائز الأمن لأي مجتمع. وباعتبارها أيضا مؤسسة ومنارة وطنية أوكل إليها إنجاز مهام التنوير في المجتمع المغربي وقلعة لبث الفكر الحديث والعقلاني وفضاء لتلاقح الأفكار ونشر قيم الحوار والتسامح بين مكونات الجامعة في تدافع سلمي وحضاري بين جميع المدارس والتوجهات بمختلف مشاربها. وفي
مقاربتها النسبية لأسباب ظاهرة العنف بينت الأستاذة أن المؤثرات الخارجية الناتجة عن الانتشار الواسع والمتسارع لتكنولوجيا الاتصال كان له بالغ الأثر على سلوك الجيل الناشئ بصورة سلبية  أو إيجابية، حيث أدت الأوضاع الراهنة إلى طغيان  مشاكل اجتماعية عانى  منها الشباب كالإحباط النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ولتخطي هذا الوضع يجب إبلاء عناية كاملة لفئة الشباب باعتبارهم ثمرة الغد ورهان المستقبل من خلال ترسيخ مجتمع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، لجميع المواطنين في حقوقهم وواجباتهم دون تمييز ودون تحيّز، والتمييز فقط للجدارة والكفاءة في منظومة من المصداقية والمساءلة والشفافية؛ و ترسيخ الحوار والتسامح وقبول الآخر، واحترام الاختلاف والتباين والتعددية، وبناء بنية ديمقراطية مستدامة يترعرع فيها فكر الشباب في حاضنات أسرية ومدرسية وجامعية وإعلامية متميزة، لشحذ ذهنية الشباب للولوج إلى الإبداع والابتكار والبحث والاستقصاء والتساؤل والنقد، وبناء المواطنة القائمة على العطاء والحب  للوطن؛ وفي الأخير حللت ظاهرة عنف الشباب في الجامعات وأعطت بعض الاقتراحات للتغلب على حوادث العنف الطلاّبي في الجامعات ومحاصرتها.
أما مداخلة الأستاذ زهير لخيار حول موضوع "جمعيات المجتمع المدني ودورها في محاربة العنف المدرسي جمعيات أباء وأولياء التلاميذ نموذجا" حيث توخي من خلال تقديم الورقة البحث في الفاعل التنموي والتربوي وبالنسبة للاتجاهات المرتبطة بالعنف المدرسي يحيل للعلاقة التفاعلية داخل المؤسسة التعليمة واعتبر أن العنف داخل المنظومة التعليمية بكاملها يتخذ مجموعة من الاتجاهات فقد ينشأ من التلاميذ للأساتذة أو من الأساتذة للأساتذة أنفسهم وقد تتفاعل هاته الأطراف لإحداث عنف ثالث مبرزا دور جمعيات المجتمع المدني التي تشكل حوالي 80 % من أدوارها الاجتماعية ويتداخل فيها ماهو جمعوي وما هو نفسي محملا جمعية أباء وأولياء التلاميذ مسؤولية ما يحدث من عنف داخل المؤسسات التعليمية حيث تغيب أدوارها الأساسية وتكتفي فقط باستخلاص الواجبات ومحاولة صرفها والحضور الموسمي في الأنشطة وهو ماجعل دراسة ميدانية تبين أن 95% من التلاميذ  بالوسط القروي يقول الأستاذ يتعرضن للعنف و80 % يعتقدن أن الأستاذة لهم الحق في ضرب التلاميذ وفي الأخير شدد الأستاذ على دور جمعيات أباء وأولياء التلاميذ التي هي عضوا كامل العضوية في مجالس التنفيذ ومجالس الأقسام وعملها التشاركي في نبد العنف بكل المؤسسات التعليمية.
وفي مداخلة الأستاذ حسن كياس حول " العنف لدى المتمدرسين بالتعليم الثانوي العمومي" وبعد تحديده اللغوي والاصطلاحي لمفهوم العنف بين أن العلاقة التي تطبع ما بين التلميذ والتلميذ هو التهديد بالسلاح الأبيض والسب والشتم وضرب الأساتذة  واستفحال تعاطي وترويج المخدرات، مبينا أن العنف يشكل إما جنحة أو جناية والقانون الجنائي فصل بينهم في الفصل 400 حيث أن العنف الخفيف يؤدي إلى حبس يصل إلى 15 يوم، في حين العنف الشاذ قد يصل إلى السجن السالب للحرية وتساءل عن كيفية معالجة ظاهرة العنف وكيفية التأسيس لصحافة مختصة في نبد العنف المرتبط بالأسرة مقترحا تدخل كافة المتدخلين في المجال ومطالبا بخلق وإحداث مراكز للاستماع بكل المؤسسات التعليمية
وفي مداخلة الأستاذ محمد بوزيت حول موضوع" التدابير الأمنية للشرطة في محيط المؤسسات التعليمية" تطرق خلالها لأهم المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها الأمة المغربية ومنها ظاهرة الأبناء المهملين وظاهرة الفقر وتغيير القيم التقليدية للمجتمع المغربي وانتشار الهدر المدرسي واكتساب سلوكات منحرفة كتعاطي المخدرات من حشيش وورق الكيف وكوكايين وهيروين ومخدر الشيرا والسجائر المهربة والعقاقير المهلوسة كالقرقوبي والمعجون والشيشا الغير المجرمة وتعاطي التلاميذ والطلبة للمشروبات الكحولية وإعداد أوكار للدعارة وامتهان السرقة في صفوف الفئات الفقيرة والغنية منها وانتشار الأنشطة العدائية داخل المؤسسات التعليمية لهذا تم إدراج موضوع الأمن لمعرفة كيفية توفير الأجواء الأمنية المناسبة سواء بالنسبة للأطر التعليمية أو الطلبة أو التلاميذ والقيام بحملات تحسيسية وتنقية الفضاءات التعليمية من كل المجرمين والمنحرفين علاوة على الدوريات الأمنية وإحداث فرق أمنية مند سنة 2008 تقوم بالتتبع مند بداية الدخول المدرسي والجامعي والتنسيق مع المصالح الأمنية المتخصصة وصياغة تقارير منتظمة حول الوضعية الأمنية بالمدارس مما جعل الحصيلة ضعيفة جدا نظرا لدور الأمن في احتواء الأزمات ودرأ المخاطر كل دلك من أجل تفعيل قرارات اللجنة المشتركة بين الأمن والداخلية ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي حول توفير الأمن بالمؤسسات التعليمية.
وفي مداخلة الباحث خالد التايب حول موضوع " العقاب: أسسه ووسائله بالتعليم المدرسي" بين خلالها للمشكل التي تتخبط فيها المدرسة المغربية ومنها الاكتضاض والهذر المدرسي بالرغم من مانصت عليه المواثيق الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة كما حدد العقاب في اللغة والاصطلاح وذكر بأنواعه ولاسيما العقاب المدني والعقاب الجسدي والعقاب النفسي والعقاب الرمزي وبين أثارهما السلبية التي ساهمت في وجود نفور من المدرسة ومن المؤسسات التعليمية بالمغرب.
أما مداخلة الأستاذ مصطفى المصباحي حول موضوع" العنف لدى المتمدرسين ومدى تأثيره على التحصيل العلمي" حيث عرف في مستهله بالعنف لغويا واصطلاحيا واعتبره أمرا غير مشروع مبرزا أسبابه الاقتصادية وهي أسباب خارجة عن التعبير الجامعي حيث نجد الطلبة أحيانا غير قادرين على تلبية حاجياتهم اليومية ويظهر ذلك على أغلب الطلبة الذين يحالون عن المجلس التأديبي حيث تجد وضعيتهم هشة اقتصادية ومستوى تحصيلهم متدني، وهذا راجع إلى وجود عنف في البيت وعنف في المدرسة وعنف في الشارع وعنف في الحافلات وعنف وتخريب في الجامعة التي هي امتداد لما سبق ذكره بسبب ضعف وغياب التواصل بين الطلبة والإداريين وينفجر دلك خلال فترة الامتحانات حيث يجعل الطالب الغش والاحتيال وسيلة للنجاح وحق مكتسب وهي سلوكات غير مقبولة في حياتنا التعليمية مطالبا بضرورة خلق حملات تحسيسية لمحاربة الظاهرة.


وخلال الجلسة الثانية للندوة التي ترأس أشغالها الأستاذ محمد غزالي مدير مختبر الأبحاث حول السياسات العمومية والتي استهلت بمداخلة للأستاذ عبد الجبار عراش مدير مختبر الأبحاث حول الانتقال الديمقراطي المقارن حول موضوع " مطابقة التكوين الجامعي المهني لمتطلبات سوق الشغل ورهان السلم الاجتماعي" ذكر من خلالها إلى ضرورة النظر إلى المنظومة التعليمية برمتها ولا يمكن النظر إلى جانب واحد دون النظر إلى جوانب أخرى وركز على إلزامية وضع أسس وطنية للتعليم العالي ووضع مخططات تتماشى والتصميم العالي للبحث العلمي مبينا في الوقت ذاته أن جودة التعليم العالي تبقى مرتبطة بجودة المنتوج ورفع معدلات الثقة حتى تظل الجامعة المغربية كقاطرة للتنمية، مع التركيز على الجودة التي تقتضي فتح تكوينات وشعب متخصصة في مجالات عديدة مختتما مداخلته بالتركيز على دور الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص حيث لايمكن النظر للإصلاح الجامعي من منظور تجزيئي ولكن من منظور شمولي.
أما مداخلة الأستاذ إدريس لكريني مدير مجموعة الأبحاث الدولية حول إدارة الأزمات ورئيس منتدى المنارة لأبحاث التنمية
حول موضوع " دور البحث التربوي في صياغة الأمن التعليمي" بين في مستهلها أن مظاهر العنف تنامت بشكل مكثّف ومثير خلال العقود الأخيرة، على المستوى الداخلي أو على الصعيد الدولي؛ سواء من حيث مخاطره وصوره أو على مستوى النطاق الذي يتم فيه أو بالنسبة لعدد الأشخاص الذين يمارسونه..وإذا كان هناك إجماع على خطورة هذه الآفة؛ وعلى ضرورة مجابهتها؛ فإن هناك تباينا في السبل المقترحة والمتبعة لمواجهته والحدّ منه.
إن العوامل المغذية لظاهرة العنف؛ متعددة ومتباينة في خلفياتها وأسبابها؛ وتختلف بين عوامل ذاتية وأخرى موضوعية؛ ويعد الوقوف على الخلفيات والأسباب الحقيقية المغذية للظاهرة؛ خطوة كبيرة على طريق بلورة مقاربة فعّالة لمجابهتها.
وإذا كان الحد من تصاعد هذه الظاهرة يتطلب اعتماد مقاربة شمولية تتأسس على مختلف المقومات القانونية والعناصر الكفيلة بتوفير الشروط اللازمة لحفظ كرامة الإنسان؛ فإن اعتماد سبل تربوية تسمح بتحصين شخصية الفرد ضد أي فكر متطرف أو عنيف.. وتجعله مؤمنا بالحوار والاختلاف والتسامح.. وهو مدخل حيوي لمواجهة الظاهرة.
أولها دور التنشئة الاجتماعية في تحصين النشء حيث تربط الكثير من الدراسات والأبحاث؛ العنف بمختلف مظاهره وأشكاله بالسلوكات التي يكتسبها الفرد داخل محيطه الاجتماعي، كما تشير أيضا إلى مسؤولية الأسباب النفسية والاجتماعية في هذا الشأن؛ ذلك أن العوامل والظروف الاجتماعية تؤدي إلى شعور بعدم الأمان وعدم الثبات والصراع؛ وتقود هذه إلى السلوك الإجرامي.
وقد اهتمت مختلف التشريعات السماوية كما الوضعية بهذه الظاهرة؛ وحاولت أن تحدّ من تفاقمها وتناميها داخل المجتمعات؛ غير أن الظاهرة واصلت انتشارها؛ وظلت جلّ المحاولات الرامية إلى التحكم فيها محدودة الأثر. وينبغي الإشارة في البداية إلى أن الهامش المتاح للقنوات التقليدية المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية (الأسرة؛ المدرسة؛ المسجد..)؛ أصبح يضيق بفعل التحولات الدولية الأخيرة؛ وبروز قنوات أخرى عابرة للحدود؛ تروج لقيم اجتماعية ولثقافة "معولمة" من خلال وسائل الإعلام والاتصال الحديثة والمتطورة.
إن التنشئة الاجتماعية يقول الأستاذ هي عملية تستهدف إضفاء الطابع الإنساني على شخصية الفرد؛ فهي عملية تعلم وتعليم وتربية؛ تقوم على الاتصال والتفاعل الاجتماعي؛ وتهدف إلى "اكتساب الفرد (طفلا، فمراهقا، فراشدا، فشيخا) سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته، والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية".
ثانيها مسؤولية قنوات التنشئة الاجتماعية لأن أهمّ أهداف التنشئة الاجتماعية هي تنمية شخصية الفرد وقدراته العقلية ومنحه الثقة في نفسه؛ من خلال الإسهام في تكوين سلوكه الاجتماعي ودفعه نحو التكيف الإيجابي مع محيطه المجتمعي؛ والإسهام في بلورة سلوكات اجتماعية وميولات نفسية مقبولة ومرغوب فيها؛ تتلاءم والضوابط والقيم الاجتماعية والروحية.. التي يؤمن بها المجتمع؛ بعيدا عن لغة العنف والتطرف.
وهي من جهة أخرى؛ عملية منظمة ومستمرة؛ تقودها مجموعة من القنوات التي ينهل بعضها من القيم الاجتماعية التقليدية؛ والبعض الآخر من القيم الحديثة..؛ وتتوخى إعداد الفرد طيلة مراحل حياته؛ ليكون كائنا اجتماعيا؛ من خلال التربية والتلقين والتعليم.. وبواسطة مجموعة من الرسائل والتوجيهات والقيم الاجتماعية بكل مضامينها الثقافية والروحية والفكرية والنفسية..
وهي عملية من المفترض أن تساهم في بلورتها مجموعة من القنوات؛ سواء تلك التي يجد الفرد نفسه بداخلها تلقائيا كالأسرة والمدرسة..؛ أو تلك التي تتاح له فيها إمكانية الاختيار؛ كما هو الشأن بالنسبة للجمعيات والأندية والأحزاب السياسية.
فالأسرة كإحدى أهم هذه القنوات؛ تلعب دورا محوريا ومؤثرا في هذه العملية؛ وذلك بالنظر إلى احتكاك الفرد بها منذ نعومة أظافره؛ وعلى اعتبار أنها البوابة الرئيسية التي يكتسب فيها أولى معارفه ومداركه ويكتشف من خلالها محيطه الاجتماعي.
وثالثها- في الحاجة إلى تنشئة اجتماعية فاعلة حيث تتنوع وتتداخل العوامل المغذّية للعنف بكل مظاهره؛ بما يجعل من احتواء هذه الظاهرة المتنامية أمرا لا يخلو من صعوبات.
 وإذا كانت المقاربة الأمنية والقانونية والاقتصادية.. تفرض نفسها في هذا الشأن؛ فإن استحضار العناصر التربوية والاجتماعية - التي تعد التنشئة الاجتماعية أحد ركائزها-؛ يعدّ أمرا حيويا؛ لارتباطه ببناء شخصية الفرد وتربيته على الحوار والاختلاف واحترام حقوق الآخرين..؛ بما يحصنه ضد ارتكاب أعمال العنف بكل مظاهره وأشكاله..
إن ارتكاب العنف هو في حد ذاته ثورة على القيم الاجتماعية والدينية والقانونية؛ "ففي الوقت الذي يتجاوز فيه المنحرف كل الخطوط في المجتمع.. يكون بذلك قد خول لنفسه استعمال كل الوسائل التي تحقق له أهدافه؛ بما في ذلك "الحق" في اللجوء إلى العنف والتعنيف".
وفي مداخلة الأستاذ محمد السكتاوي مدير منظمة العفو الدولية بالمغرب حول موضوع " الحق في بيئة تعليمية آمنة، نموذج المدارس الصديقة لحقوق الإنسان" بين من خلالها أن حقوق الإنسان تعبير ملموس عن القيمة الكامنة في جميع الأشخاص تضمن وجود حياة كريمة وتشكل الحد الأدنى لتحديد هويتنا كبشر لأن الحق في الأمن في صميم الحقوق الإنسانية
ولعل جميع أشكال العنف التي ترتكب ضد الإنسان هي انتهاكات لحقوق الإنسان كما أن غياب الأمن في البيئة التعليمية يعد مساس بالحق في التعليم. وعن علاقة البيئة التعليمية والأمن بين أن البيئة التعليمية هي انعكاس للمجتمع الأوسع حيث لا يمكن الحديث عن بيئة تعليمية آمنة بدون وجود مجتمع آمن لأن هناك أضرار طارئة على البيئة التعليمية حيث أصبحت المؤسسة التعليمية في القرن 21 المترابط والمعولم مكشوفة لتأثيرات عالم متنوع ومتغير باستمرار، عالم يزداد فيه الفقر وعدم المساواة وغيرها من مظاهر الظلم، عالم يسود فيه مناخ العنف والخوف وانعدام الأمن فقد أصبح العنف في البيئة التعليمية وفي محيطها أمرا واسع الانتشار في شتى أنحاء العالم، و العنف القائم على النوع الاجتماعي و على التمييز والإقصاء و المرتبط بالبيئة المادية للمؤسسة التعليمية وكذا العنف الناتج عن انهيار القيم التقليدية وعن أنماط التدريس...
والنتيجة كما قال الأستاذ هو انتهاك الحق في التعليم وتأثير ذلك على حرمان الأشخاص من التمتع بالعديد من الحقوق والحريات وإلحاق أضرار عاطفية ونفسية وسلوكية بالمتعلمين ناهيك عن الكآبة والقلق والشعور بفقدان الأمل و المشاعر السلبية حيال الذات والعدوانية ومحاولات الانتحار وإساءة استخدام المشروبات الكحولية والمخدرات والأنشطة الجنسية الخطرة. وتساؤل الأستاذ عن كيفية بناء بيئة تعليمية آمنة في هذا المناخ المعولم والمضطرب والعنيف؟ ليجيب أن الطريق السالك هو إدماج التربية على حقوق الإنسان في البيئة التعليمية وتأكيد « البرنامج العالمي للتثقيف في مجال حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة على هذا الخيار (2005-2019)، وانبثاق مشروع المدارس الصديقة لحقوق الإنسان في سنة 2009.
وتعمل المدرسة الصديقة لحقوق الإنسان التي توفر بيئة تعليمية آمنة من خلال عملها على تعزيز مناخ كلي يشمل المدرسة بأسرها من المساواة وعدم التمييز وإشراك الجميع والاحترام والكرامة والمشاركة.
مقاربة تقوم على الديمقراطية التامة وعلى المشاركة في إدارة المدرسة، حيث ينخرط جميع أعضاء المجتمع المدرسي في اتخاذ القرارات التي تؤثر عليهم، وتمكين الطلاب والأساتذة والموظفين من أن يشاركوا بصورة مجدية، وعلى قدم المساواة، في صنع سياسات وممارسات المدرسة وتنفيذها، شعور متنام بالانخراط والترابط ويرعى إحساسا بالمسؤولية المشتركة وبالتضامن المحلي والعالمي، ناهيك عن التفكير النقدي لدى الطلاب، والانخراط في حوارات بشأن حقوق الإنسان و خبرات التعلم الثرية بشان حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي.
وفي مداخلة الأستاذة نادية جامع حول موضوع "دور المخدرات في الوسط المدرسي" أبرزت في مستهلها أن المخدرات تعد السبب الرئيسي للعديد من الأمراض ناهيك عن كون أن الاضطرابات النفسية تؤدي إلى العنف وشددت على دور المدرسة وتنقيتها من المنحرفين وتفعيل دور الدولة لخلق بنيات تحتية للشباب والقيام بحملات توعوية وتحسيسية بشراكة مع كل المتدخلين الأساسيين من وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وبتنسيق تام مع وزارة الداخلية بالتركيز على ضمان دور الأمن المدرسي ومحاربة داء السرطان مع ضرورة تدريب الأساتذة على الاكتشاف المبكر وإنشاء إدارة متخصصة للتوعية وإنشاء مراكز للنصح وتكتيف الحملات التحسيسة وتضافر جميع الجهود مع الدوائر الأمنية لمحاربة الظاهرة.
أما المداخلة الأخيرة في الندوة للأستاذ عبد الرحمان شحشي حول موضوع "الأمن داخل المؤسسات التعليمية: تجربة الحرس الجامعي بالمغرب نموذجا"  الذي بين في مستهلها أن مفهوم الحرس أو الأمن الجامعي يندرج ضمن مفهوم الأمن الناعم الذي هو نقيض الأمن الخشن الذي يتميز بالطابع التقليدي والعنف العسكري، إن الأمن الناعم الذي يندرج في إطاره الأمن الجامعي يحيل على كل التحديات غير العسكرية التي تواجه الدولة كالتحديات الصحية أو البيئية أو الجرائم المدنية أو المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والحرس أو الأمن الجامعي يقول الأستاذ يشير إلى أعضاء الأمن العاملين بالجامعات ومؤسساتها أم من حيث تعريفه الوظيفي فهو جهاز يتوخى حماية ممتلكات الجامعة من التخريب والتدمير والمحافظة على أمن وسلامة الطلبة داخل الحرم الجامعي وتقديم التوعية والإرشاد للطلبة حول الإجراءات المتبعة في الجامعة والسياسات الداخلية لها مع منع الاحتكاك بين الطلبة والسيطرة على شرارات العنف واتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على الأمن والنظام ناهيك عن تنظيم دخول الطلاب والعاملين للحرم الجامعي وتنظيم حركة السيارات المصرح لها من الدخول من وإلى الخروج والمحافظة على أنظمة السلامة العامة داخل مباني الجامعة.
وإذا كان القانون رقم 01.00 قد متع الطلبة من مجموعة من الحريات والحقوق فإن دعاة أطروحة جامعة بدون حرس جامعي يرون تدخلات الحرس في الشؤون الطلابية قد قمع هذه الحريات وتعسف على هذه الحقوق التي على رأسها حرية التعبير داخل الحرم الجامعي والتظاهر، إن هذه الدفوعات التي طرحها المدافعون عن أطروحة جامعة بدون حرس جامعي نجد في مقابلها نقيض الأطروحة الداعية لضرورة عودة الحرس للجامعات مستشهدة بمجموعة من الوقائع والأحداث من داخل المغرب وخارجه والتي تدحض الأسس التي انبنت عليها الأطروحة السابقة.

وبعد فتح باب المناقشة بين السادة الحاضرون وتفاعل السادة الأساتذة المتدخلون معها انتهت الندوة العلمية في جو أكاديمي ومسؤول.