(واشنطن) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن ملخص تقرير لجنة المخابرات بمجلس الشيوخالأمريكي عن برنامج الاحتجاز والاستجواب الخاص بوكالة المخابرات المركزية يمثل إدانة قوية لاستخدام الوكالة للتعذيب على نطاق واسع وممنهج. ويشكل الملخص المكون من 525 صفحة خضعت لتنقيح جزئي، والمنشور في 9 ديسمبر/كانون الأول 2014، جزءاً من تقرير سري قوامه 6700 صفحة لم تشر اللجنة حتى الآن إلى نية نشره من عدمها.
ويوثق الملخص العديد من المعلومات المضللة التي قدمتها الوكالة عن فعالية البرنامج، كما يبرهن على علم المسؤولين الأمريكيين بافتقاره للمشروعية. ويشدد التقرير على حاجة الحكومة الأمريكية إلى نشر التقرير الكامل على وجه السرعة، وتدعيم الإشراف على وكالة المخابرات، والتحقيق مع كبار المسؤولين الذين تولوا برنامج التعذيب وملاحقتهم، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش: "لا ينبغي إحالة تقرير الشيوخ إلى أحد الأرفف أو الأقراص الصلبة، بل يجب أن يشكل الأساس لتحقيق جنائي عن استخدام المسؤولين الأمريكيين للتعذيب. وإذا أخفقت إدارة أوباما في محاسبة المسؤولين عن التعذيب فإنها تخاطر بترك التعذيب كاختيار سياسي متاح عندما يقع التهديد الأمني التالي، الآتي لا محالة".
طبيعة الانتهاكات ومداها
يخلص الملخص إلى أن انتهاكات الوكالة كانت أشد وحشية ومنهجية وأوسع نطاقاً مما أظهرته تقارير سابقة، وأن العديد من أساليب الاستجواب في الوكالة تجاوزت حتى ما صرحت به وزارة العدل، وأن الوكالة بدأت استخدام تلك الأساليب قبل حصولها على التصريح بها بزمن طويل.
ويصف التقرير العديد من الوقائع التي سبق ظهورها في تقارير بشأن برنامج الوكالة للتعذيب، بما في ذلك استخدام الوكالة للأوضاع المجهدة المؤلمة، والإجبار على الوقوف، والحرمان المطول من النوم، والتعريض المطول للإضاءة الساطعة والضوضاء العالية، والإيهام بالغرق، ودفع المحتجزين بإزاء الجدران أو إغلاق التوابيت عليهم.
كما يحتوي على تفاصيل جديدة تبين أن التعذيب في الوكالة كان أشد وحشية مما اعتقد سابقاً، إذ استخدمت الوكالة قيوداً مؤلمة، وفرضت "التغذية الشرجية" أو "الإرواء الشرجي" على نحو عقابي، وأرغمت محتجزين بسيقان كسيرة على الوقوف والقيود في أرجلهم بإزاء الجدران. واقتضت هذه الأساليب ثمناً باهظاً من المحتجزين، خاصة عند اقترانها بالحرمان من النوم والعزل واستخدامها على مدار فترات طويلة. وقد وُصف أحد المحتجزين بأنه "رجل مكسور كما هو واضح" ووصف آخر بأنه "على حافة الانهيار التام".
ويقدم الملخص أيضاً أدلة تؤيد الكثير من التفاصيل الواردة في تغطية هيومن رايتس ووتش السابقة لانتهاكات الوكالة. وكمثال واحد، قامت هيومن رايتس ووتش في 2012 بنشر تقرير عن استخدام الوكالة للإيهام بالغرق وما على شاكلته من أساليب التعذيب بالماء على المحتجزين، في تكذيب مباشر لزعم الوكالة بأنها أوهمت 3 محتجزين فقط بالغرق. وكما ورد في هامش الملخص رقم 623، فقد أفادت هيومن رايتس ووتش في 2012 بأن المحتجز محمد شروعية (الذي كان يعرف أيضاً باسم عبد الكريم أو الشرايعة) قدم شهادة تفصيلية وذات مصداقية عن تعرضه للإيهام بالغرق مراراً أثناء استجوابات في أحد مواقع الاحتجاز التابعة للوكالة في أفغانستان. ويؤكد الملخص تسليم شروعية ليد الوكالة في 2003 ويلاحظ أن وثائق الوكالة تتضمن صورة فوتوغرافية لأداة إيهام بالغرق خشبية محاطة بدلاء الماء في موقع الاحتجاز الذي كان شروعية محتجزاً به. كما يلاحظ الملخص أن الوكالة عجزت في إحدى المقابلات عن تفسير وجود أداة الإيهام بالغرق في الموقع.
وقد نشرت هيومن رايتس ووتش أيضاً عن حالة خالد الشريف (الذي كان يعرف أيضاً باسم "أبو حازم") والذي وصف تعريضه لنوع من أنواع التعذيب بالماء، شديد الشبه بالإيهام بالغرق، بينما كان في عهدة الوكالة في أفغانستان. ويصف الملخص في صفحتي 107-108 شهادة أخصائي لغوي بالوكالة، قام في 2003 على ما يبدو بإبلاغ مفتش الوكالة العام عن هذه الانتهاكات، فأحالها بدوره في 2004 إلى مكتب المدعي العام الأمريكي عن دائرة فرجينيا الشرقية، باعتبارها مخالفة إجرامية محتملة. ولم يتضح ما حدث للإحالة، إن كان ثمة، لكن تقرير المفتش العام أسقط مزاعم الأخصائي اللغوي من الاعتبار بخلوصه إلى عدم وجود أدلة مؤيدة. وقد أشار الشريف، مثله مثل عدد من محتجزي الوكالة الآخرين، إلى أن مسؤولاً أمريكياً واحداً لم يسع لإجراء مقابلة معه بشأن ما احتمله من انتهاكات في عهدة الوكالة.
كانت وكالة المخابرات المركزية على علم بمخالفة أساليبها للقانون
ويكشف التقرير عن أدلة جديدة على علم الوكالة بانعدام مشروعية ما تستخدمه من أساليب، ففي صفحة 33، يلاحظ الملخص أن كبار المحامين في الوكالة تداولوا فيما بينهم مسودة خطاب إلى وزير العدل جون أشكروفت بتاريخ 8 يوليو/تموز 2002، وفيه إقرار صريح بأن أساليب الاستجواب التي عرفت لاحقاً بـ"أساليب الاستجواب المشددة" تنتهك لائحة التعذيب الأمريكية. وقد طلبت المسودة ـ التي لم يتضح إن كانت أرسلت على الإطلاق ـ أن تقوم وزارة العدل بتزويد الوكالة بـ"امتناع رسمي عن الملاحقة، مسبقا". بمعنى أن وكالة المخابرات التمست من وزارة العدل وعداً بألا تلاحق ـ أو بعبارة أخرى، حصانة من الملاحقة.
وتناقض هذه الوثيقة مزاعم مسؤولي الوكالة بأنهم لم يكونوا على علم بما إذا كانت تلك الأساليب قانونية أو غير ذلك، وأنهم اعتمدوا بحسن نية على توجيه من المستشار القانوني لوزارة العدل. لكن الوثيقة بالأحرى توضح أن كبار المسؤولين في الوكالة كانوا يعلمون بأن أساليبهم غير قانونية، وكانوا يحاولون إيجاد غطاء قانوني لها. وحين أخفقت جهودهم في الحصول على امتناع مسبق، سعوا للحصول على غطاء من نوع آخر وحصلوا عليه، من خلال سلسلة من المذكرات القانونية ـ ما يعرف بـ"مذكرات التعذيب" ـ التي صاغها مكتب المستشار القانوني لوزارة العدل ومستشار البيت الأبيض، بدءاً من أغسطس/آب 2002، ويفترض أنها صرحت بالتعذيب.
وقد حاول مسؤولون مختلفون، حاليون وسابقون، في الوكالة أن يبرروا استخدام الممارسات المسيئة إلى المحتجزين استناداً إلى تلك المذكرات. غير أن الأدلة الجديدة على علم الوكالة بانعدام مشروعية أساليبها تقطع الطريق على أي زعم يدلي به كبار المسؤولين في الوكالة بأنهم ببساطة اعتمدوا بنية حسنة على مشورة قانونية، بحسب هيومن رايتس ووتش.
علاوة على هذا فإن المذكرات لم تكن تقييماً أمينا للقانون الذي يحظر التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وإنما جهوداً ملتوية لتبرير ما لا يمكن تبريره. وقد قالت هيومن رايتس ووتش إن من أكبر إخفاقات العدالة أن المحامين الذين وفروا الغطاء القانوني لبرنامج التعذيب، فتواطأوا في مخالفته للقانون، لم يواجهوا أية عواقب تأديبية أو جنائية.
وقال كينيث روث: "لقد اتضح الآن أن كبار مسؤولي الوكالة كانوا يعرفون من البداية بانعدام مشروعية الأساليب التي استخدموها، ومن المخاتلة أن تستمر الوكالة في التذرع بـ"مذكرات التعذيب" وكأنها اعتمدت على تبريراتها القانونية بنية حسنة".
عرقلة وكالة المخابرات المركزية للإشراف عليها
يوضح التقرير المدى الذي ذهبت إليه الوكالة للتستر على جرائمها وعرقلة العملية الديمقراطية، بما في ذلك التقدم بمزاعم كاذبة لوزارة العدل، والبيت الأبيض، والكونغرس عن نطاق البرنامج وطبيعته ونجاحاته وضرورته. وفي الوقت نفسه يبين الملخص أن كبار المسؤولين في البيت الأبيض كانوا من البداية على علم بمخالفة البرنامج للقانون، وأن الإدارة أخفت البرنامج حتى عن أعضاء مجلس الأمن القومي التابع لها، وعن فريق وزارة الدفاع.
ويقرر الملخص أن وزيري الخارجية والدفاع، وكلاهما من أركان مجلس الأمن القومي، لم يطلعا على تفاصيل البرنامج، بتوجيه من البيت الأبيض، حتى سبتمبر/أيلول 2003. ويصف التقرير رسالة إلكترونية من وكالة المخابرات المركزية من سنة 2003 تقرر أن "[وزير الخارجية كولين] باول سيستشيط غضباً إذا تم إطلاعه على ما كان يتم".
شرعت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ في الدراسة في 2009 بعد تقارير تفيد بأن الوكالة دمرت 92 شريط فيديو لعمليات استجوابها لأشخاص مشتبه بهم في أعمال إرهابية. ورغم الدور الإشرافي للجنة إلا أن أيا من أعضائها، بخلاف رئيسها ونائبه آنذاك، لم يتم إطلاعه على البرنامج الذي بدأ في 2002، حتى سبتمبر/أيلول 2006، قبل ساعات من إعلان الرئيس جورج دبليو. بوش عن البرنامج للجمهور العام.
ويبدو أن جهود الوكالة للتهرب من الإشراف لم تقف عند هذا الحد، ففي مارس/آذار 2014 أفادت ديان فاينستاين، رئيسة لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، بقيام الوكالة بالتجسس على حواسب موظفي اللجنة أثناء إجرائهم للتحقيق الإشرافي. وقام مفتش الوكالة العام بإحالة المسألة إلى وزارة العدل للملاحقة، لكن وزارة العدل امتنعت. وقد تقدم مدير الوكالة جون برينان، الذي استخف مراراً بمزاعم وقوع أي خطأ من جانبها، تقدم باعتذار في 31 يوليو/تموز بعد أن اكتشف تحقيق داخل الوكالة أنها تجسست بالفعل على حواسب أفراد اللجنة.
قال كينيث روث: "حاولت وكالة المخابرات التستر على برنامجها للتعذيب بممارسة عرقلة ممنهجة للإشراف عليها، وإرسال رسائل كاذبة للجمهور. وعلى الكونغرس والرئيس انتهاز هذه الفرصة لتدعيم الإشراف على الوكالة ووضعها تحت سيادة القانون".
الحاجة إلى المحاسبة
في ثاني أيام الرئيس أوباما في منصبه، في يناير/كانون الثاني 2009، وقع أوباما على أمر تنفيذي بإغلاق مواقع الاحتجاز السرية التابعة للوكالة وإنهاء استخدام "أساليب الاستجواب المشددة" ـ وهو مصطلح مخفف للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية. ورغم أن تعذيب الأشخاص المحتجزين أو إساءة معاملتهم يخالف القوانين الأمريكية والدولية، إلا أن مسؤولاً أمريكياً واحداً ممن تولوا إنشاء البرنامج أو تنفيذه لم يقدم للعدالة.
قال كينيث روث: "لا يمكن الدفاع عن رفض الرئيس أوباما السماح بملاحقة شخص واحد ممن صرحوا بالتعذيب أو نفذوه أو تستروا عليه".
ورغم ن أسماء البلدان التي تعاونت مع البرنامج الأمريكي حجبت من الملخص، إلا أن ثمة أدلة لا يستهان بها على قيام الوكالة بإرسال سجناء إلى ما لا يقل عن ثمانية بلدان، وبينها أفغانستان وبولندا ورومانيا وليتوانيا وتايلند والمغرب والأردن ومصر.
وقد قامت الولايات المتحدة في أحيان كثيرة بالضغط على حكومات أخرى لملاحقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة بأيدي مسؤوليها. وبخلاف إرسال رسالة تفيد بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع انتهاك المحتجزين داخلياً، فإن الملاحقات العادلة وذات المصداقية للتعذيب بأيد أمريكية ستكون حاسمة بالنسبة لمصداقية الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمحاسبة في الخارج.
في 2009 شرعت وزارة العدل في تحقيق يقوده المدعي الخاص دون ديرهام، وصوّرته على أنه تحقيق جنائي جدي في انتهاكات حقوق المحتجزين في عهدة الولايات المتحدة. إلا أن التحقيق لم ينظر في شيء سوى عمليات الاستجواب التي تجاوزت الأساليب المصرح بها من قبل وزارة العدل، رغم إقرار الرئيس أوباما بأن بعض الأساليب المصرح بها تشكل تعذيباً.
وقد نظر ديرهام في 101 من حالات الانتهاك بأيدي الوكالة، بما فيها حالات اثنين من المحتجزين توفيا في عهدة الوكالة. لكن وزارة العدل حفظت التحقيق في أغسطس/آب 2012 بدون توجيه أية اتهامات جنائية. وإضافة إلى هذا، يبدو أن الولايات المتحدة لم تقم لأجل هذا التحقيق بإجراء مقابلات مع العديد من محتجزي الوكالة السابقين، الذين تعرضوا لبعض أسوأ الانتهاكات في عهدة الوكالة، بحسب تقارير. ورفضت الحكومة الأمريكية الرد على أسئلة عما إذا كان أي من محتجزي الوكالة السابقين قد أجريت معه أية مقابلات لأجل تحقيق ديرهام. ويثير الإخفاق في إجراء هذه المقابلات أسئلة جدية عن امتثال الولايات المتحدة لالتزامها بإجراء تحقيق كامل وعادل، بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، في الانتهاكات المحتملة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
قال كينيث روث: "ينبغي لملخص تقرير الشيوخ أن يكون بداية، وليس نهاية، لعملية تقديم المسؤولين عن ارتكاب التعذيب باسم الشعب الأمريكي إلى العدالة. وستنشأ حاجة إلى قيادة رئاسية حقيقية لضمان اتخاذ الخطوة التالية".
ويوثق الملخص العديد من المعلومات المضللة التي قدمتها الوكالة عن فعالية البرنامج، كما يبرهن على علم المسؤولين الأمريكيين بافتقاره للمشروعية. ويشدد التقرير على حاجة الحكومة الأمريكية إلى نشر التقرير الكامل على وجه السرعة، وتدعيم الإشراف على وكالة المخابرات، والتحقيق مع كبار المسؤولين الذين تولوا برنامج التعذيب وملاحقتهم، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش: "لا ينبغي إحالة تقرير الشيوخ إلى أحد الأرفف أو الأقراص الصلبة، بل يجب أن يشكل الأساس لتحقيق جنائي عن استخدام المسؤولين الأمريكيين للتعذيب. وإذا أخفقت إدارة أوباما في محاسبة المسؤولين عن التعذيب فإنها تخاطر بترك التعذيب كاختيار سياسي متاح عندما يقع التهديد الأمني التالي، الآتي لا محالة".
طبيعة الانتهاكات ومداها
يخلص الملخص إلى أن انتهاكات الوكالة كانت أشد وحشية ومنهجية وأوسع نطاقاً مما أظهرته تقارير سابقة، وأن العديد من أساليب الاستجواب في الوكالة تجاوزت حتى ما صرحت به وزارة العدل، وأن الوكالة بدأت استخدام تلك الأساليب قبل حصولها على التصريح بها بزمن طويل.
ويصف التقرير العديد من الوقائع التي سبق ظهورها في تقارير بشأن برنامج الوكالة للتعذيب، بما في ذلك استخدام الوكالة للأوضاع المجهدة المؤلمة، والإجبار على الوقوف، والحرمان المطول من النوم، والتعريض المطول للإضاءة الساطعة والضوضاء العالية، والإيهام بالغرق، ودفع المحتجزين بإزاء الجدران أو إغلاق التوابيت عليهم.
كما يحتوي على تفاصيل جديدة تبين أن التعذيب في الوكالة كان أشد وحشية مما اعتقد سابقاً، إذ استخدمت الوكالة قيوداً مؤلمة، وفرضت "التغذية الشرجية" أو "الإرواء الشرجي" على نحو عقابي، وأرغمت محتجزين بسيقان كسيرة على الوقوف والقيود في أرجلهم بإزاء الجدران. واقتضت هذه الأساليب ثمناً باهظاً من المحتجزين، خاصة عند اقترانها بالحرمان من النوم والعزل واستخدامها على مدار فترات طويلة. وقد وُصف أحد المحتجزين بأنه "رجل مكسور كما هو واضح" ووصف آخر بأنه "على حافة الانهيار التام".
ويقدم الملخص أيضاً أدلة تؤيد الكثير من التفاصيل الواردة في تغطية هيومن رايتس ووتش السابقة لانتهاكات الوكالة. وكمثال واحد، قامت هيومن رايتس ووتش في 2012 بنشر تقرير عن استخدام الوكالة للإيهام بالغرق وما على شاكلته من أساليب التعذيب بالماء على المحتجزين، في تكذيب مباشر لزعم الوكالة بأنها أوهمت 3 محتجزين فقط بالغرق. وكما ورد في هامش الملخص رقم 623، فقد أفادت هيومن رايتس ووتش في 2012 بأن المحتجز محمد شروعية (الذي كان يعرف أيضاً باسم عبد الكريم أو الشرايعة) قدم شهادة تفصيلية وذات مصداقية عن تعرضه للإيهام بالغرق مراراً أثناء استجوابات في أحد مواقع الاحتجاز التابعة للوكالة في أفغانستان. ويؤكد الملخص تسليم شروعية ليد الوكالة في 2003 ويلاحظ أن وثائق الوكالة تتضمن صورة فوتوغرافية لأداة إيهام بالغرق خشبية محاطة بدلاء الماء في موقع الاحتجاز الذي كان شروعية محتجزاً به. كما يلاحظ الملخص أن الوكالة عجزت في إحدى المقابلات عن تفسير وجود أداة الإيهام بالغرق في الموقع.
وقد نشرت هيومن رايتس ووتش أيضاً عن حالة خالد الشريف (الذي كان يعرف أيضاً باسم "أبو حازم") والذي وصف تعريضه لنوع من أنواع التعذيب بالماء، شديد الشبه بالإيهام بالغرق، بينما كان في عهدة الوكالة في أفغانستان. ويصف الملخص في صفحتي 107-108 شهادة أخصائي لغوي بالوكالة، قام في 2003 على ما يبدو بإبلاغ مفتش الوكالة العام عن هذه الانتهاكات، فأحالها بدوره في 2004 إلى مكتب المدعي العام الأمريكي عن دائرة فرجينيا الشرقية، باعتبارها مخالفة إجرامية محتملة. ولم يتضح ما حدث للإحالة، إن كان ثمة، لكن تقرير المفتش العام أسقط مزاعم الأخصائي اللغوي من الاعتبار بخلوصه إلى عدم وجود أدلة مؤيدة. وقد أشار الشريف، مثله مثل عدد من محتجزي الوكالة الآخرين، إلى أن مسؤولاً أمريكياً واحداً لم يسع لإجراء مقابلة معه بشأن ما احتمله من انتهاكات في عهدة الوكالة.
كانت وكالة المخابرات المركزية على علم بمخالفة أساليبها للقانون
ويكشف التقرير عن أدلة جديدة على علم الوكالة بانعدام مشروعية ما تستخدمه من أساليب، ففي صفحة 33، يلاحظ الملخص أن كبار المحامين في الوكالة تداولوا فيما بينهم مسودة خطاب إلى وزير العدل جون أشكروفت بتاريخ 8 يوليو/تموز 2002، وفيه إقرار صريح بأن أساليب الاستجواب التي عرفت لاحقاً بـ"أساليب الاستجواب المشددة" تنتهك لائحة التعذيب الأمريكية. وقد طلبت المسودة ـ التي لم يتضح إن كانت أرسلت على الإطلاق ـ أن تقوم وزارة العدل بتزويد الوكالة بـ"امتناع رسمي عن الملاحقة، مسبقا". بمعنى أن وكالة المخابرات التمست من وزارة العدل وعداً بألا تلاحق ـ أو بعبارة أخرى، حصانة من الملاحقة.
وتناقض هذه الوثيقة مزاعم مسؤولي الوكالة بأنهم لم يكونوا على علم بما إذا كانت تلك الأساليب قانونية أو غير ذلك، وأنهم اعتمدوا بحسن نية على توجيه من المستشار القانوني لوزارة العدل. لكن الوثيقة بالأحرى توضح أن كبار المسؤولين في الوكالة كانوا يعلمون بأن أساليبهم غير قانونية، وكانوا يحاولون إيجاد غطاء قانوني لها. وحين أخفقت جهودهم في الحصول على امتناع مسبق، سعوا للحصول على غطاء من نوع آخر وحصلوا عليه، من خلال سلسلة من المذكرات القانونية ـ ما يعرف بـ"مذكرات التعذيب" ـ التي صاغها مكتب المستشار القانوني لوزارة العدل ومستشار البيت الأبيض، بدءاً من أغسطس/آب 2002، ويفترض أنها صرحت بالتعذيب.
وقد حاول مسؤولون مختلفون، حاليون وسابقون، في الوكالة أن يبرروا استخدام الممارسات المسيئة إلى المحتجزين استناداً إلى تلك المذكرات. غير أن الأدلة الجديدة على علم الوكالة بانعدام مشروعية أساليبها تقطع الطريق على أي زعم يدلي به كبار المسؤولين في الوكالة بأنهم ببساطة اعتمدوا بنية حسنة على مشورة قانونية، بحسب هيومن رايتس ووتش.
علاوة على هذا فإن المذكرات لم تكن تقييماً أمينا للقانون الذي يحظر التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وإنما جهوداً ملتوية لتبرير ما لا يمكن تبريره. وقد قالت هيومن رايتس ووتش إن من أكبر إخفاقات العدالة أن المحامين الذين وفروا الغطاء القانوني لبرنامج التعذيب، فتواطأوا في مخالفته للقانون، لم يواجهوا أية عواقب تأديبية أو جنائية.
وقال كينيث روث: "لقد اتضح الآن أن كبار مسؤولي الوكالة كانوا يعرفون من البداية بانعدام مشروعية الأساليب التي استخدموها، ومن المخاتلة أن تستمر الوكالة في التذرع بـ"مذكرات التعذيب" وكأنها اعتمدت على تبريراتها القانونية بنية حسنة".
عرقلة وكالة المخابرات المركزية للإشراف عليها
يوضح التقرير المدى الذي ذهبت إليه الوكالة للتستر على جرائمها وعرقلة العملية الديمقراطية، بما في ذلك التقدم بمزاعم كاذبة لوزارة العدل، والبيت الأبيض، والكونغرس عن نطاق البرنامج وطبيعته ونجاحاته وضرورته. وفي الوقت نفسه يبين الملخص أن كبار المسؤولين في البيت الأبيض كانوا من البداية على علم بمخالفة البرنامج للقانون، وأن الإدارة أخفت البرنامج حتى عن أعضاء مجلس الأمن القومي التابع لها، وعن فريق وزارة الدفاع.
ويقرر الملخص أن وزيري الخارجية والدفاع، وكلاهما من أركان مجلس الأمن القومي، لم يطلعا على تفاصيل البرنامج، بتوجيه من البيت الأبيض، حتى سبتمبر/أيلول 2003. ويصف التقرير رسالة إلكترونية من وكالة المخابرات المركزية من سنة 2003 تقرر أن "[وزير الخارجية كولين] باول سيستشيط غضباً إذا تم إطلاعه على ما كان يتم".
شرعت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ في الدراسة في 2009 بعد تقارير تفيد بأن الوكالة دمرت 92 شريط فيديو لعمليات استجوابها لأشخاص مشتبه بهم في أعمال إرهابية. ورغم الدور الإشرافي للجنة إلا أن أيا من أعضائها، بخلاف رئيسها ونائبه آنذاك، لم يتم إطلاعه على البرنامج الذي بدأ في 2002، حتى سبتمبر/أيلول 2006، قبل ساعات من إعلان الرئيس جورج دبليو. بوش عن البرنامج للجمهور العام.
ويبدو أن جهود الوكالة للتهرب من الإشراف لم تقف عند هذا الحد، ففي مارس/آذار 2014 أفادت ديان فاينستاين، رئيسة لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، بقيام الوكالة بالتجسس على حواسب موظفي اللجنة أثناء إجرائهم للتحقيق الإشرافي. وقام مفتش الوكالة العام بإحالة المسألة إلى وزارة العدل للملاحقة، لكن وزارة العدل امتنعت. وقد تقدم مدير الوكالة جون برينان، الذي استخف مراراً بمزاعم وقوع أي خطأ من جانبها، تقدم باعتذار في 31 يوليو/تموز بعد أن اكتشف تحقيق داخل الوكالة أنها تجسست بالفعل على حواسب أفراد اللجنة.
قال كينيث روث: "حاولت وكالة المخابرات التستر على برنامجها للتعذيب بممارسة عرقلة ممنهجة للإشراف عليها، وإرسال رسائل كاذبة للجمهور. وعلى الكونغرس والرئيس انتهاز هذه الفرصة لتدعيم الإشراف على الوكالة ووضعها تحت سيادة القانون".
الحاجة إلى المحاسبة
في ثاني أيام الرئيس أوباما في منصبه، في يناير/كانون الثاني 2009، وقع أوباما على أمر تنفيذي بإغلاق مواقع الاحتجاز السرية التابعة للوكالة وإنهاء استخدام "أساليب الاستجواب المشددة" ـ وهو مصطلح مخفف للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية. ورغم أن تعذيب الأشخاص المحتجزين أو إساءة معاملتهم يخالف القوانين الأمريكية والدولية، إلا أن مسؤولاً أمريكياً واحداً ممن تولوا إنشاء البرنامج أو تنفيذه لم يقدم للعدالة.
قال كينيث روث: "لا يمكن الدفاع عن رفض الرئيس أوباما السماح بملاحقة شخص واحد ممن صرحوا بالتعذيب أو نفذوه أو تستروا عليه".
ورغم ن أسماء البلدان التي تعاونت مع البرنامج الأمريكي حجبت من الملخص، إلا أن ثمة أدلة لا يستهان بها على قيام الوكالة بإرسال سجناء إلى ما لا يقل عن ثمانية بلدان، وبينها أفغانستان وبولندا ورومانيا وليتوانيا وتايلند والمغرب والأردن ومصر.
وقد قامت الولايات المتحدة في أحيان كثيرة بالضغط على حكومات أخرى لملاحقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة بأيدي مسؤوليها. وبخلاف إرسال رسالة تفيد بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع انتهاك المحتجزين داخلياً، فإن الملاحقات العادلة وذات المصداقية للتعذيب بأيد أمريكية ستكون حاسمة بالنسبة لمصداقية الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمحاسبة في الخارج.
في 2009 شرعت وزارة العدل في تحقيق يقوده المدعي الخاص دون ديرهام، وصوّرته على أنه تحقيق جنائي جدي في انتهاكات حقوق المحتجزين في عهدة الولايات المتحدة. إلا أن التحقيق لم ينظر في شيء سوى عمليات الاستجواب التي تجاوزت الأساليب المصرح بها من قبل وزارة العدل، رغم إقرار الرئيس أوباما بأن بعض الأساليب المصرح بها تشكل تعذيباً.
وقد نظر ديرهام في 101 من حالات الانتهاك بأيدي الوكالة، بما فيها حالات اثنين من المحتجزين توفيا في عهدة الوكالة. لكن وزارة العدل حفظت التحقيق في أغسطس/آب 2012 بدون توجيه أية اتهامات جنائية. وإضافة إلى هذا، يبدو أن الولايات المتحدة لم تقم لأجل هذا التحقيق بإجراء مقابلات مع العديد من محتجزي الوكالة السابقين، الذين تعرضوا لبعض أسوأ الانتهاكات في عهدة الوكالة، بحسب تقارير. ورفضت الحكومة الأمريكية الرد على أسئلة عما إذا كان أي من محتجزي الوكالة السابقين قد أجريت معه أية مقابلات لأجل تحقيق ديرهام. ويثير الإخفاق في إجراء هذه المقابلات أسئلة جدية عن امتثال الولايات المتحدة لالتزامها بإجراء تحقيق كامل وعادل، بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، في الانتهاكات المحتملة، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
قال كينيث روث: "ينبغي لملخص تقرير الشيوخ أن يكون بداية، وليس نهاية، لعملية تقديم المسؤولين عن ارتكاب التعذيب باسم الشعب الأمريكي إلى العدالة. وستنشأ حاجة إلى قيادة رئاسية حقيقية لضمان اتخاذ الخطوة التالية".