مساء كل يوم إثنين، ألمانيا على موعد مع تظاهرات
مجموعة “أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب” المعروفة بـ”بيغيدا” التي تهدد المسلمين الألمان،
هذه التظاهرات التي بدأت في مدينة دريسدن وشارك في بدايتها المئات من الألمان، ليبلغ
عدد المشاركين الأسبوع الماضي 17 ألفًا و500 شخص، اتسعت لتصل لعدة مدن ألمانية كشتوتغارت،
وميوينيخ، ومونستر، وكاسيل، وروستوك.
وفي بلد كألمانيا ما يزال يعاني من ماضيه النازي،
ويسعى لجذب مزيد من المهاجرين للتعويض عن انخفاض نسبة المواليد بين سكانه، أحرجت هذه
التظاهرات الحكومة والشعب الألماني؛ مما أدى لانطلاق حملة تعبئة واسعة مضادة لتحركات
“بيغيدا”، فمع أن تيار الإسلاموفوبيا هذا ما يزال ضعيفًا فإنه يعتبر مصدر إزعاج في
ألمانيا التي عرفت خلال الحقبة النازية تيارًا عنصريًّا مقيتًا، ما زالت تسعى إلى طي
صفحته.
ما هي حركة “أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب” المعروفة
بـ”بيغيدا”؟
هي مجموعة تظهر نفسها بأنها حركة مدنية برجوازية
ليبرالية رافضة للعنف، وبهذه الصورة نجحت في حشد الكثير من الأنصار لها، فكما يقول
الباحث الأكاديمي في شؤون اليمين المتطرف في ديسلدورف ألكسندر هويزلر: “إذا أرادت حركة
ما رفع شعار معادي للإسلام فإنها تسعى إلى ألا يتم ربطها بحركات يمينية متطرفة”.
أغلب أعضائها على علاقة ببعض المجموعات المعروفة
بإثارة الشغب، فضلاً عن وجود نازيين جدد فيها، أو متعاطفين مع فكرة النازية الجديدة.
ويُعد مؤسس الحركة “لوتز باتشمان” (41 عامًا) من أصحاب السوابق؛ في السرقة، وتعاطي
المخدرات، واستفادت الحركة التي أطلقها؛ من وسائل التواصل الاجتماعي؛ في الحشد للمظاهرات.
ورغم أن هذه المجموعة لم تتمكن من حشد الأنصار إلا
في مناطق محددة من ألمانيا، إلا أنها تثير مخاوف المسلمين كما يقول عبد الصمد اليزيدي،
عضو المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، مضيفًا في حديث صحفي: “حركة “بيغيدا” ظاهرة جديدة
تخيف الكثير من المسلمين في ألمانيا. وأرى أنه من حقهم أن يخافوا منها. فلأول مرة نرى
تظاهرات يشارك فيها الآلاف، ولا يشارك فيها فقط اليمين المتطرف، بل جميع أصناف المجتمع
الألماني. وأرى أن هذه الحركة تدخل في إطار سياسة التخويف من الإسلام، والتي كانت وما
تزال منتشرة. فقد أصبحنا الآن نحصد ما زرعته تلك السياسة”.
لماذا تصاعدت الاحتجاجات المناهضة للمسلمين في ألمانيا؟
ساهمت وسائل الإعلام الألمانية في تأجيج المخاوف
بشكل كبير من التطرف الإسلامي، واستمر هذا الإعلام في تغطياته الإعلامية السلبية التي
تربط الإسلام والمسلمين بكل ما هو سيئ، وتزايد موجات الهجرة واللجوء إلى ألمانيا. وتصدر
ملف تنظيم الدولة “داعش” نشرات الأخبار، كما يقول الباحث الإعلامي جو غروبيل: “أصبح
الموضوع أساسيًّا في نشرات الأخبار”. ويوضح غروبيل أن المشكلة تكمن في عدم تمييز وسائل
الإعلام بشكل واضح بين “الدولة الإسلامية” من جانب، وبين الإسلام كدين من جانب آخر.
ويقول غروبيل إن زيادة عدد المشاركين في حركة “بيغيدا” جاءت بسبب التغطية الإعلامية
الكبيرة لنشاطاتها. ويضيف: “وسائل الإعلام وضعت المشاركين في المظاهرات في زاوية معينة؛
مما أثار ضغينتهم. وعندما يسمع الآخرون بذلك ينتابهم أيضًا الغضب ويقولون: ألا يجوز
لنا أن نعبر عن آرائنا؟”.
كما اعتبرت مظاهرات “وطنيين أوروبيين ضد أسلمة الغرب”
في ألمانيا محصلة لواقع تحريضي قائم منذ سنوات في ألمانيا وأوروبا. فكما تقول مديرة
معهد المسؤولية الإعلامية زابينا شيفر إن: “كراهية الإسلام والمسلمين أصبحت قاسمًا
مشتركًا بين اليمين المتطرف وشرائح متوسطة متزايدة بالمجتمع الألماني، لارتباط ذلك
لديها بمخاوف من تغيير هوية البلاد”.
واعتبرت شيفر أنه لا حاجة للبحث عمن يقف خلف مظاهرات
بيغيدا، “بعد أن لعب الإعلام الألماني دورًا أدى إلى إفراز ما يحدث بالواقع الحالي
من خلال تقارير دأبت على الربط بين المسلمين والإرهاب”. منتقدة تركيز وسائل الإعلام
الألمانية على مظاهرات بيغيدا دون تخصيص مساحة تذكر للمظاهرات الشعبية المعارضة لها.
هل أغلب المهاجرين لألمانيا من المسلمين؟
ربطت الاحتجاجات السابقة بين المسلمين والمهاجرين
على اعتبار أن أغلب المهاجرين لألمانيا هم من المسلمين. لكن أرقام ألمانية رسمية توضح
أن الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة هم من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال
لا ينتمي 40% من المهاجرين من إيران إلى أي من الديانات. ومن بلدان أخرى تسكنها أغلبية
مسلمة كالعراق، كانت هجرة الأقليات الدينية كبيرة. ولذلك السبب لا يمكن الاستدلال بشكل
تلقائي على دين المهاجرين المقيمين في ألمانيا من التركيبة الدينية لبلدانهم الأصلية.
وبالنظر إلى أحوال الهجرة إلى ألمانيا، يمكننا القول
إن ألمانيا باتت عام 2012 الوجهة الأساسية للهجرة إلى أوروبا، واستقبلت خلال العام
الماضي 400 ألف شخص حسب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. كما أن ألمانيا هي اليوم الوجهة
الأولى لطالبي اللجوء في أوروبا. ومنذ مطلع عام 2014 استقبلت 180 ألف لاجئ، أي بزيادة
57% عن الفترة نفسها من عام 2013.
ماذا عن الموقف المضاد للتظاهرات المعادية للإسلام؟
تجري بالتزامن مع مظاهرات “بيغيدا” الأسبوعية دومًا
مظاهرات مضادة لها، وتبدو أكبر حجمًا وعددًا بالمقارنة مع تظاهرات الحركة المناهضة
للأسلمة الوهمية للعالم الغربي. حيث انطلقت حملة تعبئة واسعة شارك فيها سياسيون ووسائل
إعلام ورجال أعمال ومواطنون عاديون على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بالفعاليات
المناهضة لوجود المهاجرين المسلمين.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حثت الألمان على
عدم التأثر بأعضاء حركة “بيغيدا”، وقالت إن المحتجين المناهضين للمسلمين يدعون للعنصرية
والكراهية. كما دعا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى دعم المظاهرات
المناهضة لحركة “بيغيدا” والمشاركة فيها
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال وزير العدل الألماني
هايكو ماس الذي شارك في المظاهرة: “إن “بيغيدا” لا تمثل أكثرية الألمان، والمظاهرات
المعارضة لها هي المعبرة عن روح ألمانيا كبلد سيظل شديد الانفتاح”.
واعتبر ماس تظاهرات “بيغيدا” و”ممارساتها العنصرية
ضد اللاجئين الذين فقدوا كل شيء فضيحة كبيرة”، مضيفًا أن المجتمع الألماني “دلل في
مواضع كثيرة على تعايش سلمي قائم ومطلوب استمراره”.