سياسيون يفككون أزمة الأحزاب ومأزق النخبة ويقترحون
أجوبة لإشكالية الديمقراطية
في ندوة «المساء» تحت عنوان: مخاضات الأحزاب الوطنية
وسؤال الديمقراطية.. الهوية والبنية الاجتماعية
نظمت «المساء» يوم الأربعاء الماضي ندوة «بالدار
البيضاء، حول موضوع اتخذت له العنوان التالي : «مخاضات الأحزاب الوطنية وسؤال الديمقراطية..
الهوية والبنية الاجتماعية»، جاء سياق هذه المبادرة في إطار مجموعة التحولات والمخاضات
التي تعتمل داخل الأحزاب المغربية، وعلى رأسها تلك المنحدرة من رحم الحركة الوطنية.
تطرقت الندوة التي نشط أعمالها كل من صحافي المساء
سليمان الريسوني والباحث محمد الساسي، إلى ثلاثة محاور، كان أولها متعلقا بسؤال الديمقراطية
داخل الأحزاب التي شكلت عصب «الكتلة الديمقراطية» وهي حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية
وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصا وأن مؤتمراتها الوطنية الأخيرة عرفت
طعونا في نتائجها .. أما المحور الثاني فتناول سؤال الهوية، داخل الأحزاب الثلاثة،
إذ أن أغلب المحتجين في مؤتمراتها الأخيرة أكدوا على أن المشكل تجاوز «تزوير» الهياكل
أو «التلاعب» بنتائج الانتخابات الداخلية، إلى المس بالثوابت، والهوية، والإيديولوجية،
والإرث الرمزي لهذه الأحزاب.
في حين، ذهب المحور الثالث إلى مساءلة البنية السوسيولوجية
لهذه لأحزاب، انطلاقا من فرضية «ترييف» «la ruralisation» قاعدة منخرطي الاتحاد الاشتراكي، وتأثير ذلك على مسار الدفاع عن القيم
التي حملها الحزب منذ تأسيسه وتطوره. عبر مساحة هذا «الخاص» تنقل المساء لقرائها أطوار
ذلك اللقاء الذي أعادت طرح العديد من الأسئلة على واقع الحزب السياسي بالمغرب.
أثناء تقديمه لأرضية الندوة، أشار الباحث محمد الساسي إلى محاورها المتمثلة
في المحور الأول، الذي انصب على مساءلة الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية، ومدى
صلابتها أمام امتحانات المؤتمرات الداخلية، التي بات عنوانها تعميم علاقات الزبونية
بين كل من القواعد والقيادات التنظيمية، وعدم مرور مؤتمر دونما مشاكل وهزات تنظيمية،
التي عادة ما تفرز منسحبين ومستقلين، وكذا بروز تيارات منشقة رافضة لــ»الزعامة الجديدة».
أما المحور الثاني المتعلق بالهوية –التقليدية- للحزب فطرح بخصوصه-الساسي- فرضية مركزية
مؤداها أنه-الحزب- ذو طبيعة تابعة وغير مستقل بقراراته ومقرراته...، في حين كان إشكال
ظاهرة «الأعيان والحزب»، موضوع المحور الثالث، بحكم أن جل الملاحظين للحياة الحزبية
يخلصون إلى أن هناك اتجاها لــ»أعينة الأحزاب» وهيمنة هذا المكون الاجتماعي (أعيان)
على مفاصل الحياة الانتخابية بالمغرب.
بعد استعراض الفرضيات المركزية للندوة، انتقل الساسي
إلى طرح جملة من الأسئلة –المقلقة- التي تفرض نفسها على الحياة الحزبية بالمغرب، حاول
في أولها استجلاء العلاقة بين لحظات المؤتمرات وحقائق السلطوية القابعة داخل التنظيمات
الحزبية، التي ما تنفك تفجر مساحات «المسكوت عنه» متسائلة حول جدوى الديمقراطية الداخلية
واحترام إرادة القواعد في اختيار الزعامات الجديدة، حيث أن معالم التشخيص»التشاؤمي»
الذي قدمه الساسي، عبر صراحة عن واقع صعب تعيشه الأحزاب المغربية، التي تتبنى الديمقراطية
شكلا وترفضها مضمونا، كما تجد صعوبة بالغة في التحول «السلس» صوب «مؤسسات حداثية» قاطعة
مع الثقافة الحزبية التقليدية بالمغرب.
هذه «الحداثة الشكلية» التي ساهم في بلورتها قانون
الأحزاب الصادر سنة 2007، أفرزت تعبيرات جديدة داخل الأحزاب المغربية، من قبيل ترشح
القادة عوض تزكيتهم، وتزايد حقوق العضو في التنظيم، التي باتت تضمنها القوانين الداخلية
مع إمكانية اللجوء إلى القضاء في حال وجود خرق للمساطر التنظيمية وانتهاك للأدبيات
الحزبية. كذلك عرف التدبير المالي تحسنا بعدما كان شائعا لسنوات أن «مالية الحزب هي
مالية الزعيم».
أكد الساسي على أن التطورات –القسرية- التي طالت
الأحزاب المغربية كانت بمبادرة وزارة الداخلية، التي يرجع إليها أصل قانون الأحزاب،
الذي جاء بمقتضيات قانونية جديدة، وساهم جليا في «تحديث» الممارسة الحزبية. قبل أن
يطرح سؤالا إشكاليا مفاده: حـداثــة ولكــن..؟
الأعيان هيمنوا على الأحزاب المغربية..
في وصف له، للبنية السوسيولوجية للأحزاب المغربية،
قال صحافي «المساء» سليمان الريسوني إن عنوانها هو «الغربة الاجتماعية» حينما يجد المناضلون
القدامى أنفسهم إلى جانب وافدين من أحزاب أخرى لا علاقة لهم بتاريخ الحزب أو أفكاره،
ناهيك عن التحول السوسيولجي العميق لقواعد بعض الأحزاب «التقدمية» مثل الاتحاد الاشتراكي
الذي تم «نفيه» من المدن بحسب الأشعري وباتت قواعده الجديدة قروية المنشأ. أما اكرين
عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية فقد أشار في مداخلته، إلى أن نموذج أحزاب
الأعيان الذين وصفهم بــ»الكائنات الانتخابية»، تم استيراده من الأحزاب «الإدارية»،
وكون المال لا يشكل عاملا وحيدا في تفسير الممارسة السياسية والانتخابية المرتبطة بهذا
النموذج. فقد ظهرت فئة من السياسيين نعتها –اكرين- بــ -محترفي العمل السياسي- التقت
مصالحها الموضوعية مع «محترفي الانتخابات»، أصبحوا يتعيشون على السياسة وينجزون تحويلات
سياسية وانتخابية عابرة للمجال (محليا إقليميا ووطنيا) وللتنظيمات بعد تبنيهم لخطابات
ديمقراطية، مما أفضى إلى سيادة نموذج هجين للحزب، ساهم في ارتفاع نسب العزوف عن الحياة
الحزبية، اختار اكرين لتوصيف هذه الفئة من «المحترفين» لفظ «الأبارتشي الجدد» .
في حين ذهب محمد الساسي، إلى أن الإطار القانوني
الجديد والممارسات السوسيولوجية التي تعتمل داخل الأحزاب، أفرزت انتقالا من «حزب المناضلين»
إلى «حزب الزبناء»، وصفقات للقادة الحزبيين مع الأعيان، الذين لا يترددون في جلب «زبائنهم»
أينما حلوا واستنبات تقنيات الانتخابات الرسمية داخل المحطات التنظيمية الداخلية للأحزاب...
فهناك، أعيان تستوردهم أحزاب ديمقراطية وديمقراطيون
تستوردهم أحزاب إدارية على سبيل «التسلاف» (الإعارة) أحيانا، لأن جلب عدد كبير من الأعيان
يعني عددا كبيرا من المقاعد، وبالتالي عددا كبيرا من الوزارات، قبل أن يتدارك بسؤال
مفاده/ أي نوع من الأعيان نقصد؟
مجيبا بأنه، يقصد «هؤلاء الذين يستعملون وسائل غير
مشروعة، ويحملون مشاريع شخصية، عمادها الولاء للدولة ومقابلها غض الطرف عن إثرائهم
على حساب المال العام». ومميزا لهم في الآن ذاته عن صنف الأعيان الوجهاء الاجتماعيين
الذين يساهمون إيجابيا داخل المجموعات الاجتماعية التي ينتمون إليها. وكذا أعيان حزب
الاستقلال الذين يعدون بدورهم مناضلين «قدامى» في صفوف حزب علال الفاسي.
«التناوب» كانت تجربة «مخلخلة» لحزب الاتحاد
الاشتراكي
بكلمات قوية ومؤثرة، وصف محمد الأشعري مجموعة الدروس
التي استقاها من تجربة التناوب التي قادها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي
تقلد خلالها المتدخل الاتحادي وزارة الثقافة طيلة النسختين الحكوميتين للتجربة، على
اعتبار أنها كانت ديمقراطية على طريقة نظام إدريس البصري –بحسب تعبيره-، والتي تم بمقتضاها
إيجاد حلول لــ»قضية الديمقراطية» بناء على إشراك نسبي-مراقب- للأحزاب في الحياة السياسية،
رغبة في تجاوز الاختناق الذي عرفه النظام السياسي آنذاك.
كانت المعادلة السحرية التي «أنجحت» تجربة التناوب،
هي «التوافق» الذي التأمت حوله الكتلة الديمقراطية طيلة عقد من الزمن 2000-2010 افترض
عملية تفاوضية شريفة، عكس الابتزاز وشراء الذمم والولاءات...والتي على أساسها تم تحقيق
ذلك الإشراك عمليا، مما حدا بالأشعري إلى وصفها بــ»الخطيئة الأصلية» حينما تم التفاوض
بشأن دمقرطة الحياة السياسية، وإنجاز ميثاق شرف مع إدريس البصري الذي أطر التجربة،
مع حرص الاتحاد الاشتراكي حينها-بحسب الأشعري- على الانتباه للتحول في طبيعة الحزب
من بنية سوسيو مهنية إلى بنية انتخابية، وذلك بغية تغطية 24 ألف دائرة انتخابية.
التقدم والاشتراكية يضحي برموزه
في جواب له عن سؤال بخصوص تضحية الحزب برموزه، بدءا
من سيمون ليفي الذي مات وفي حلقه غصة من كلمة «طائشة» حول يهوديته داخل أوساط الحزب،
وسعيد السعدي الذي استقال أخيرا على خلفية سباق الأمانة العامة...قال امحمد اكرين القيادي
بالحزب ذاته إن «ما حصل داخل الحزب يعتبر امتدادا لصيرورة تاريخية، منذ تبني المسلسل
الديمقراطي في أواسط السبعينيات، الذي تكرس مع تجربة التناوب..».
لكن، بالمقابل لم يشذ المتدخل نفسه عن التشخيص التشاؤمي
الذي ذهب إليه الحاضرون، إذ أكد على أن الحياة السياسية والحزبية بالمغرب، تعرف «وضعا
خطيرا يهدد استقرار البلاد، ناتج عن عجز الأحزاب عن الإجابة على التطلعات الشعبية»،
مع محاولة لتعميم نموذج «الأحزاب الإدارية» التي تساهم في خلق ما وصفه بــ«التبرزيط»
والتشويش داخل التنظيمات الحزبية، كما قدم تصنيفا سوسيولوجيا لعينة «المتحزبين» حاليا،
الذين اختزلهم في صنفين، الأول دعاه بأتباع مدرسة التسلق الحزبي، التي تنتج قياديا
حزبيا تدرج من بواب بسيط إلى قمة التنظيم، أما الصنف الثاني فيتمثل في ظاهرة الأعيان
الذين «استحوذوا» على مقادير الحياة الحزبية بالمغرب، وأثر شيوع هاذين النوعين من الممارسة
الحزبية إلى عزوف شعبي عن المشاركة في الشأن العام، ناهيك عن انخراط أعضاء منسحبين
في حملات العزوف، وذلك حينما ينجزون حملات دعائية مضادة لحملة مرشحي الأحزاب التي سبق
وأن انتموا إليها..
هذا، قبل أن يعرج القيادي اليساري نفسه على أحداث
المؤتمر الأخير للحزب، واصفا طبيعة المؤتمرات الحزبية بأنها مناسبة لتجييش الأعضاء
للحصول على مواقع تنظيمية متقدمة، مستحضرا كذلك النقطة الخلافية التي أفاضت الكأس داخل
المؤتمر، والتي تمثلت في ظهور موقفين من مشاركة الحزب في الحكومة-الحالية-التي يقودها
حزب العدالة والتنمية، ذهب خلالها أنصار الموقف الأول إلى أن انخراط الحزب في التجربة
أضر به، ويعتبر «ضد الطبيعة» وغير منسجم مع تاريخ وهوية الحزب، في حين رأى أنصار الموقف
المساند للمشاركة بأنها جاءت في سياق استراتيجي وتكتيكي اعتمده الحزب لتحصين التجربة
الديمقراطية بالمغرب.، وغير مضرة بهوية الحزب كما صادق عليها المؤتمرون خلال المؤتمر
التاسع، وتحكمها جدلية «الثابت والمتحرك» في أدبيات الحزب..وفي نظره إن إشكال الأزمة
الحزبية يختزله سؤالان اثنان، وهما ذاك المتعلق بالحكامة الداخلية، وسؤال استقلالية
المشروع الحزبي.
الأشعري لم يجد من يقدم له استقالته من الحزب...
بعد أن باغته الساسي بسؤال البديل عن الحالة التنظيمية
المتشرذمة التي يعيشها حزب الاتحاد الاشتراكي وما تبقى من هويته اليسارية، قال محمد
الأشعري إن المرحلة الإعدادية للمؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، تبقى كفيلة لفهم ما
يجري داخل الحزب، وذلك حينما طرح المؤتمرون-قبلا- سؤال المشروع الذي سوف يحملونه إلى
المؤتمر، وكذا تحديد من يذهب إلى المؤتمر، ثم وضع أجندة واضحة لإحاطة المؤتمرين وتحسيسهم
ضد شراء الذمم..
لكن، مشروع تصور الإعداد للمؤتمر أصبح بين عشية
وضحاها، عبارة عن مشروع لــ«أقلية» حينما رفض عبد الواحد الراضي رفضا قاطعا عرض المشروع
على المجلس الوطني، معبرا عن سلطوية تنظيمية كان عنوانها «إما تدخل للصف وتطلب -تتوسل-
شي منصب قيادي» أو « تأتي لتزكية المؤتمر بحضور شكلي».
تابع الأشعري قائلا: «الحزب الذي انخرطت فيه لم
يبق، لقد راودتني فكرة الاستقالة، لكن لمن سوف أقدم استقالتي..؟ مشيرا إلى أن الأحزاب
استنفذت شرط وجودها، أي أنها «ماتت»، بعد أن عاشت ما وصفه بــ»أسطورة الإصلاح من الداخل»
التي ساهمت في تخريب الحياة الحزبية الداخلية على المستوى التنظيمي، وكذلك على المستوى
الفكري، في حين تبقى الأسئلة الملحة هي تلك المتعلقة بالدفاع عن الحرية، والعدالة الاجتماعية
وحقوق المرأة.. والبحث عن بدائل راقية للتعبير السياسي.
الفكرة نفسها عبر عنها محمد اكرين، حينما أكد على
أن هناك اختلالا ولا توازنا بين قوى الحداثة والمحافظين داخل الحقل السياسي، مقترحا
بدوره تنظيم منتدى «عرضاني أفقي» يضم يساريين وآخرين غير منتمين لمناقشة سبل تأهيل
الحياة الحزبية وتطوير الفكر السياسي بدون السقوط في «الصنمية التنظيمية».
الشبـــاب والسيــــاسة
في معرض حديثه، قال الأشعري: «يجب ألا يستيقظ جيل
المستقبل على استقواء الجناح الإسلامي خاصة صنفه اللاشرعي، التحت أرضي»، أي تلك التنظيمات
الإسلامية المتطرفة الإرهابية، مميزا إياها عن التنظيمات الإسلامية الشرعية، التي تجتهد
في إغراء الشباب المغربي وتجنيده، قبل تصديره إلى مناطق التوتر بتذكرة «اللاعودة».
امحمد كرين بدوره، ركز على فئة الشباب ومحوريتها
في واقع الأزمة الحزبية، حينما أكد على أن الشباب المغربي لم يتلق أية عروض سياسية
تلبي طموحه، وذلك بعد أن تحولت الأحزاب إلى «قاعات انتظار كبرى، ينتظر الكل داخلها
حظه من الكعكة»، وتوارى المثقفون داخل الأحزاب، تاركين فرصة الظهور لمقتنصي الفرص والمواقع،
الذين حولوا العمل السياسي إلى فرصة للاسترزاق.
في السياق ذاته، ذكر اكرين بأن مؤتمر الحزب الأخير،
عرف توافد فئة شبابية، تمارس السياسة بــ«طريقة مقيتة» سعيا للتسلق الإداري وتعبيرا
عن طموحات شخصية بعيدة عن تصورات ومشاريع الحزب، وذلك بعد أن باعها محترفو السياسة
والأوهام الوردية..
أما الصحافي خالد الجامعي، الذي تدخل في بضع جمل
في اللحظات الأخيرة من زمن الندوة، فاستحضر بدوره الفئة الشبابية، حينما قال إن عينة
الشباب التي توصف بــ«المشرملين» تعد آخر أمل لمواجهة المخزن، وإن استطاع تدجينها وقمعها،
فالمستقبل يصبح حينها «دونما أمل في التغيير..».
معارضة 30%
اتفق جل الحاضرين على أن هناك تقدما واضحا سجله
حزب العدالة والتنمية، الفائز بانتخابات 2011 أهله لقيادة حكومة ما بعد الحراك الشعبي،
التي يؤطرها الدستور الجديد، لكن النقطة الإشكالية التي طرحها الساسي كانت مهمة، مفادها
أن رئيس الحكومة الحالي لا يمارس إلا 30 % من سلطاته الدستورية، بمعنى ان المعارضة
بدورها لا تتبع وتعارض إلا 30%، مشيرا إلى أنه في حال وصول حكومة أخرى تمارس%1 فإن
المعارضة لن تعارض-حينها- بدورها سوى 1 %.
عبد الواحد الفاسي: الخوف والطغيان يعششان في الأحزاب المغربية ديمقراطية
متفق عليها
أما عبد الواحد الفاسي المرشح السابق لمنصب الأمين
العام لحزب الاستقلال والذي انهزم أمام منافسه حميد شباط، فقد استهل تدخله في الندوة
بالإجابة عن سؤال يتعلق بالأحزاب المغربية وقبولها الديمقراطية شكلا، لكنها تعاكسها
مضمونا، إذ أشار إلى أن الديمقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية المغربية غير ممكنة
في المغرب بصفة عامة.
مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هناك نوعا من الديمقراطية
متفق عليها مسبقا، ولم يتردد عبد الواحد الفاسي في الجزم بأنها أي هذه الديمقراطية
المتفق عليها، كانت ضرورية، وكانت أساسية في وقت من الأوقات من تاريخ المغرب.
ونبش المتحدث ذاته في تاريخ حزب الاستقلال، مشيرا
إلى أنه فيما مضى لم يكن مشكل الزعيم أو القائد قائما، مشيرا إلى أنه من بعد ما وقع
في سنة 1959، وكانت هي السنة التي شهدت اختلافات
نتج عنها الانقسام في وسط حزب الاستقلال، وهو
الانقسام الذي أسفر عن انشقاق رفاق بن بركة
عن حزب الميزان، إذ أسفر عن انفصال لتيار جذري عن الحزب، بقاعدة جماهيرية واسعة كانت
مؤيدة له، حيث تم تشكيل ما عرف يومها بـ«الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال» كمرحلة
أولية، قبل أن تتحول إلى ما سمي فيما بعد بـ»الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو حزب
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن ما وقع فتح الباب على
مصراعيه لدخول أفراد جدد إلى الحزب، حيث أصبحت مجموعات بأكملها تنضم إلى الحزب، وهو ما أثر على الحزب فيما بعد،
وعلى الديمقراطية في داخله، كما خلق ولاءات
مختلفة بحسب المجموعات التي كانت تقبل على الانضمام إلى الحزب.
وفصل الفاسي في معرض تدخله في الندوة وإجابته على
الأسئلة التي طرحت عليه، المشاكل التي تسببت فيها موجة المجموعات التي كانت تنضم إلى
الحزب.
لقد تسبب الأمر يضيف الفاسي في جعل الحزب يتكون
من مجموعات بولاءات مختلفة، وأمام وضع كهذا يصعب أن نتحدث عن ديمقراطية داخلية، لأن
هذه المجموعات موالية لشخص معين، أو أصبحت تخص
شخصا معينا داخل الحزب بولائها.
وعن الأسباب التي أدت إلى مثل هذه الوضعيةـ وقبول
انضمام جماعات تدين بالولاء لأشخاص وليس للحزب، أشار عبد الواحد الفاسي، إلى أن حزب
الاستقلال كان يعاني ضعفا في بعض المناطق، ضعفا رغب الحزب في تجاوزه، وهو ما دفع إلى
قبول بعض هؤلاء وانضمامهم للحزب، رغم تكتلهم في جماعات موالية لشخص معين.
كيف رغب إخوان بن كيران في الانضمام لحزب الاستقلال
وخلال حديثه عن توافد الجماعات على حزب الاستقلال
للانضمام إليه، وليوضح أكثر كيف أن الأمر كان
غير ممكن في السابق على عهد زعماء حزب الميزان السابقين، ضرب الفاسي المثل برغبة سابقة
أبداها أعضاء من الحزب المتزعم للحكومة «البيجيدى» عندما كان تواجدهم التنظيمي يقتصر
على الحركة فقط، حيث كشف عبد الواحد الفاسي
أن بوستة الزعيم السابق لحزب الميزان سبق أن رفض دخول أعضاء حركة التوحيد والإصلاح
إلى حزب الاستقلال، مشترطا على إخوان بنكيران الدخول إلى الحزب كأفراد وليس كمجموعة،
واسترسل الوزير السابق قائلا أمام الحضور» حتى أن بعض الإخوان من حزب العدالة والتنمية
الذي يقود الحكومة المغربية اليوم سبق لهم أن جاؤوا إلى الزعيم بوستة للانضمام إلى
حزب الاستقلال، وذلك كان قبل أن يغيروا الوجهة نحو حزب الحركة الشعبية، غير أن الزعيم بوستة، يضيف عبد الواحد الفاسي، رحب بهم، لكنه سرعان ما رفض انضمامهم عندما علم بالشكل الذي
كانوا ينوون الانضمام به إلى حزب الاستقلال، وأشار الفاسي إلى أن بوستة قال لهم
«مرحبا بكم في الحزب كأفراد وليس كمجموعات»
مؤتمر سابق لأوانه
ولم يفت الوزير السابق أن يتطرق إلى المؤتمر الأخير
لحزب الاستقلال، والذي انهزم فيه أمام خصمه حميد شباط، إذ أشار الفاسي إلى أن المؤتمر
الأخير شهد تنازلات من بعض الأطراف، من أجل أن
يفتح المجال لبعض الأشخاص ليصلوا إلى
قيادة الحزب، في إشارة إلى حميد شباط زعيم الاستقلاليين الحالي.
كما تطرق الفاسي إلى قرارات الطرد التي بدأت تستهدف
المعارضين لشباط، إذ كان الحزب قد أصدر مجموعة
من قرارات الطرد في حق عدد من الأسماء المحسوبة على تيار «بلاهوادة» الذي شكك في مصداقية
وصول شباط إلى الأمانة العامة.»
وكانت قرارات الطرد قد تمت بحجة النظام الداخلي
لحزب الاستقلال الذي يقضي بتوقيف أي عضو يتغيب ثلاث مرات متتالية عن اجتماعات المجلس.
وتطرق الفاسي إلى جهاز المفتشين الذي تأسس بعد الانشقاق
الذي حدث في الحزب وخروج رفاق بن بركة، واصفا الجهاز بأنه أصبح يشكل عبئا على الحزب،
إذ أنهم أصبحوا موظفين في الحزب برواتب شهرية، بدل الاستمرار في دور المناضلين،، مشيرا
إلى أنهم يلعبون أدوار سلبية تضر بالديمقراطية للحفاظ على مصالحهم، وهم بذلك يعاكسون
تماسك الحزب وقوته وحضوره وإشعاعه في الساحة السياسية المغربية.
ثوابت مبادئ «بلا هوادة»
دافع عبد الواحد الفاسي عن تجربة «تيار بلا هوادة»
مشيرا في معرض جوابه عن سؤال يتعلق بهوية التيار، إلى أن «بلا هوادة» جاء ليدافع عن
ثوابت حزب الاستقلال التي تم الإخلال بها في الوقت الراهن.
مضيفا أن التيار يدافع عن كل ما يميز حزب الاستقلال
ومناضليه.
وتحدث عبد الواحد الفاسي المرشح الأسبق لمنصب أمين
عام حزب الميزان، عن المعركة القضائية التي خاضها التيار ضد النتائج التي أسفرت عليها
انتخابات الحزب، وقادت حميد شباط ليتولى منصب الأمين العام للحزب.
وأشار الفاسي إلى أن هناك نوعا من فقدان الثقة بدأ
ينتشر في أوساط أعضاء التيار، بعد أحكام القضاء المغربي في القضية، واستنكر أمام الحضور
قائلا «تذهب إلى المحكمة وتقدم أدلة واضحة لكن دون نتيجة».
وكانت المحكمة الابتدائية بالرباط قد رفضت دعوى
الطعن في انتخاب حميد شباط كأمين عام للحزب، كما رفضت الطعن في انتخاب أعضاء من اللجنة
التنفيذية وكافة الهياكل المنبثقة عن الحزب.
وهي الدعوى التي كان قد قدمها «تيار بلا هوادة»
إلى وكيل الملك، وبعد الاستئناف أيدت المحكمة بدورها الحكم الابتدائي القاضي برفض الدعوى
الرامية إلى بطلان انتخاب الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط وأعضاء من اللجنة
التنفيذية للحزب.
واستدرك عبد الواحد الفاسي قائلا إن «تيار بلا هوادة»
الذي يضم قيادات استقلالية، لن يدب اليأس في صفوفه من أجل كسب المعركة، ومن أجل الدفاع
عن ثوابت ومبادئ حزب الميزان، مؤكدا أن التيار سيعمل على الحفاظ على كل ما هو جميل
في حزب الاستقلال، في ظل التراجع الكبير الذي أصبح يعاني منه الحزب.
عيب على الصحافة مهاجمة العائلة الفاسية
ونفى عبد الواحد الفاسي أن تكون العائلة الفاسية
مهيمنة على حزب الاستقلال، كما يتم الترويج لذلك من البعض، مشيرا إلى أن تواجد أفراد
العائلة يشمل أيضا أحزاب سياسية مغربية أخرى، ولا يقتصر تواجدها على حزب الاستقلال،
وتوجه للحضور بالقول « ليست كل العائلة الفاسية متواجدة في حزب الاستقلال، كما يتم
الترويج لذلك، هناك أفراد من العائلة الفاسية في أحزاب أخرى».»
مشير إلى أن الحديث عن العائلة الفاسية وهيمنتها
على الحزب، هي من الأمور التي تستعمل في الحملات ضد العائلة الفاسية، وتأسف الفاسي
على مثل هذه الحملات التي تلقى اهتماما كبيرا من الصحافة الوطنية، قائلا « عيب على الصحافة أن تركز على هذه الأمور
فقط المتعلقة بعائلة الفاسي».
وعاتب الفاسي الصحافة المغربية على مبالغاتها في
الحديث عن العائلة الفاسية وتواجدها داخل حزب الاستقلال، متهما المنابر الإعلامية بالمساهمة في الوضعية التي
أصبح حزب الاستقلال يوجد فيها.
وأضاف الفاسي أن الصحافة بتركيزها ومبالغتها في
الحديث عن تواجد أفراد العائلة الفاسية في الحزب، أدت خدمات وهيئت الأجواء لجهة معينة
لبسط سيطرتها على الحزب، في إشارة إلى حميد شباط الأمين العام الحالي لحزب الميزان.
الأحزاب تعاني من الطغيان الداخلي
بخصوص المستقبل شدد عبد الواحد الفاسي من منطلق
رؤيته لسبل إصلاح وإحداث التغيير في الأحزاب السياسية المغربية، على أهمية التغير من
الداخل، مشيرا إلى أن التغيير من داخل الأحزاب السياسية المغربية هو آمر أساسي وضروري.
وعرج المتحدث على الأوضاع الحالية لحزب الاستقلال
ونصيبه من أمال التغيير والإصلاح، مشيرا إلى الرغبة الكبيرة التي تسود لدى مناضلي الحزب
في التغيير والإصلاح، وأشار إلى أن نصف أعضاء المجلس الوطني في حزب الاستقلال يعيشون
نوعا من الانتظارية، وهي انتظارية تتطلع إلى زعيم قادر على تولي مهمة التغيير في حزب
الاستقلال.
من جهة أخرى خلص المتحدث إلى أن حزب الاستقلال يتوفر
في الحقيقة على العناصر الديمقراطية المرغوبة اليوم، مضيفا أن السؤال اليوم يتمحور
حول كيفية استرجاع ما مضى، وإعادة الحزب إلى سائر عهده.
الأحزاب المغربية ووضعها الحالي كان لها أيضا نصيب
من تدخل عبد الواحد الفاسي، مشيرا إلى أن من بين أبرز المشاكل التي تعاني منها الأحزاب
المغربية هناك مشكلا الخوف والطغيان الداخلي، الذي يمارسه بعض الأشخاص في إطار البحث
عن مصالحهم الشخصية، مقرا أن هناك تراجعا، وهو تراجع أظهره ما وقع أخيرا في كل من التقدم
والاشتراكية والحركة الشعبية من الديمقراطية المتفق عليها والزعيم الواحد، مشيرا إلى
أن الأحزاب المغربية برمتها وعلى رأسها حزب الاستقلال تحتاج إلى القدرة لإقناع المغاربة
وكسب تأييدهم.
منصف يوسف - عبد الصمد الزعلي
عن جريدة المساء
المغربية