"الحرية الآن" تقدم تقريرها حول "حالة حرية الصحافة والتعبير في المغرب عام 2014"
تصريح صحفي
إن "الحرية الآن" كجمعية مستقلة وفتية تأسست يوم 25 أبريل عام 2014، تضع على رأس اهتماماتها حماية حرية الصحافة والتعبير في المغرب، تنطلق في إعداد أول تقرير صادر عنها حول "حالة حرية الصحافة والتعبير في المغرب عام 2014"، من كون حرية التعبير كقيمة جوهرية، وكحق بحد ذاتها، تعتبر أداة أساسية للدفاع عن باقي الحريات الأخرى، وعنصرا مهما في بناء الديمقراطية والدفع بأهداف التنمية داخل المجتمع إلى الأمام.
وتنطلق "الحرية الآن" في رصدها لمجموعة من الانتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير من كون هذه الانتهاكات تعتبر خرقا للقانون، ودليلا آخر على عدم وفاء الدولة المغربية بالتزاماتها السياسية والقانونية والأخلاقية تجاه المجتمع، وتنبه إلى ما لهذه الانتهاكات من تأثير سلبي على التدفق الحر للمعلومات والأفكار داخل المجتمع، فهي لا تمثل فقط اعتداء على الصحفيين ومستعملي وسائل الإعلام للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وإبداعاتهم، وإنما هي اعتداء صارخ على الحق في حرية الرأي والتعبير الذي كرسته المواثيق الدولية ونصت عليه القوانين المحلية، وعلى حق كل مواطنة ومواطن في تلقي المعلومات والأفكار بحرية.
واستنادا على " الإعلان المشترك حول الجرائم ضد حرية التعبير"، الصادر في تونس يوم 4 مايو 2012، ما بين المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير وممثل حرية الإعلام في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمقرر الخاص حول حرية التعبير في منظمة الدول الأمريكية والمقرر الخاص حول حرية التعبير والحصول على المعلومات للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والذي ينص على ضرورة أن تعكس الدول في أنظمتها القانونية حقيقة أن الجرائم المرتكبة ضد حرية التعبير تعتبر من الجرائم الخطيرة لأنها تمثل اعتداءً مباشراً على كافة الحقوق الأخرى.
وانطلاقا من هذه المبادئ الأساسية التي أطرت إنجاز هذا التقرير، فقد اعتمدت "الحرية الآن" في إعداده على عملتي الرصد لحالات الانتهاكات، والتقييم لأوضاع حرية الصحافة والتعبير، من خلال مساءلتها لواقع الحالة المغربية انطلاقا من المرجعية الكونية لحقوق الإنسان وما تتضمنه من تعريف لمفهوم الحرية وتحديد للضوابط التي تنظم ممارستها، وبناء على ما تنص عليه التشريعات المحلية وما التزمت به الدولة المغربية.
ومن خلا عميلة رصد ميداني قامت بها "لجنة الرصد والتقارير" داخل جمعية "الحرية الآن"، سجلت الانتهاكات التالية المنسوبة إلى مصادرها، كما تم توثيقها من خلال وسائل الإعلام أو من خلال الضحايا أنفسهم.
وهكذا فقد سجلت "الحرية الآن" 20 حالة انتهاكات، ما بين تاريخ تأسيسها كجمعية في أبريل 2014 وحتى 22 ديسمبر 2014، وهي كما يلي:
- 13 حالة تمس صحفيين ينتمون إلى الصحافة الرقمية، 3 حالات تخص مغنيين لفن الراب، حالتان تخصان صحفيان ينتميان إلى الصحافة الورقية، حالة واحدة لمستخدم الانترنت، وحالة واحدة تتعلق بمدونة.
هذه الانتهاكات المسجلة خلال فترة الرصد، صدرت عن المصادر التالية حسب عدد الانتهاكات المرتكبة:
- السلطات المحلية، الدولة المغربية، الشرطة، الحكومة، قطاع العدل، نشطاء، الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، سياسيون من السلطة التنفيذية.
وانطلاقا من هدفها كقوة اقتراحية تسعى إلى العمل على الارتقاء بالترسانة القانونية ذات العلاقة بممارسة الحريات وضماناتها، يستعرض تقرير "الحرية الآن" مجموعة من الملاحظات حول الواقع الحالي للإطار التشريعي الذي يؤطر حرية الرأي والتعبير، وهو إطار تغلب عليه سياسة الضبط ويحكمه هاجس الرقابة، كما يسلط الضوء على قراءة مشاريع القوانين الثلاثة المرتقب اعتمادها، والمتمثلة في مشروع قانون الصحافة والنشر، وقانون الحق في الوصول إلى المعلومة، ومشروع قانون يقضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، لتوضيح إلى أي حد استجابت هذه النصوص للمطالب التي عبرت عنها الحركة الحقوقية المغربية طيلة العشرية الأخيرة، وتقديم الاقتراحات التي تراها "الحرية الآن" ضرورية لتطويرها أو تجويدها أو تغييرها.
وبالرغم من أن هذه المشاريع اشتملت على مقتضيات متقدمة مقارنة بالنصوص المعمول بها، إلا أنها قطعا لا تشكل تجاوزا لعدد من الإشكاليات الجوهرية التي ظلت تواجه حرية التعبير في بلادنا، وهي بالتالي لا تستجيب لعدد من المطالب التي ظلت تطرحها الهيئات المهنية ومعها الهيئات الحقوقية.
كما يتناول هذا التقرير أيضا، فقرات خاصة بالإعلام العمومي، إذ ترى "الحرية الآن"، أن إصلاح هذا الإعلام يبقى هو المدخل الرئيسي لكل إصلاح في مجال الإعلام والحرية والديمقراطية عموما.
أولا، لأن الإعلام العمومي الممول من أموال دافعي الضرائب والمراقب من طرف هيئات مستقلة هو وحده الذي يستطيع أن يضمن أكبر قدر من التعددية والتنوع داخل المجتمعات الديمقراطية.
ثانيا، لأن وسائل الإعلام العمومية، خاصة الإذاعة والتلفزة، كوسائل إعلام جماهيرية، مازالت تمتلك تأثيرا بالغا على الجمهور وهو ما يزيد من جاذبيتها لدى كل من يسعى إلى احتكار السلطة والتفرد بها.
وانطلاقا من قراءتها لواقع الإعلام العمومي في المغرب، تعتبر "الحرية الآن"، أن استمرار سيطرة السلطة السياسية في المغرب على هذا الإعلام المملوك للدولة، وبالتالي المملوك للشعب، يٌعد أكبر خرق لحريته واستقلاليته وتعدديته، وأكبر عرقلة أمامه للنهوض بمسؤوليته حتى يكون في خدمة المصلحة العامة.
ومن خلال تقريرها الحالي المبني على الرصد والتقييم، تعتبر "الحرية الآن"، أن ما يميز مجال حرية الصحافة والتعبير اليوم في المغرب هو التحكم الكلي والمباشر في مجال الإعلام العمومي، والضبط الكلي وغير المباشر للصحافة الخاصة. فالإعلام العمومي مازال متحكما فيه من قبل السلطة، يستعمل للدعاية الرسمية، ويمنع على كل صاحب رأي يخالف رأي السلطة. أما الإعلام الخاص، فأغلب عناوينه المسموعة والمكتوبة والرقمية مازالت تفتقد إلى المهنية، وتخضع إلى التوجيه غير المباشر لخدمة النظام، من خلال التحكم في الدعم العمومي والتأثير على موارد التمويل والإعلان.
وفي ختام هذا التقرير تسجل "الحرية الآن" أن السمة الرئيسية اليوم للمشهد الإعلامي المغربي تتمثل في البروز القوي للخطوط الحمراء، وتضخم الرقابة الذاتية، وظهور جيل جديد من الانتهاكات التي تسعى السلطة من خلالها إلى فرض الصوت الواحد وإسكات كل الأصوات المخالفة للرأي الرسمي.
وكخلاصات تركيبية لتقريرها تقر "الحرية الآن" ما يلي:
ـ إن حالات حبس الصحافيين والتضييق على المنابر الصحافية المستقلة والتراجع الكبير في مجال الحريات والحقوق المكتسبة، مثل حرية الاجتماع وتأسيس الجمعيات والتظاهر السلمي، تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن حالة حرية الصحافة والتعبير اليوم في المغرب هي أسوأ مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث الأخيرة من القرن الماضي.
ـ إن التضييق على مجالات حرية التعبير، واستمرار احتكار السلطة لوسائل الإعلام العمومية، والقضاء على الصحافة المستقلة، يضع كل نوايا الإصلاح السياسي والديمقراطي على المحك بما أنه لا ديمقراطية بدون وجود صحافة حرة وإعلام عمومي مستقل.
وأخيرا، فإذا كان المغرب قد أكد في ديباجة دستور 2011 على سمو القوانين والمواثيق الدولية، وعلى التزامه بحقوق الإنسان المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية. فإن على الحكومة أن تلتزم بترجمة هذه المبادئ والنوايا في القوانين ذات الصلة بحرية الصحافة والتعبير لضمان ممارسة كاملة لحرية الصحافة في المغرب.
الرباط في 12 فبراير2015